13 سبتمبر 2025
تسجيلإنها السادسة صباحاً، والشمس تتمدد بأشعتها، تنفض عنها نوم الليل والكسل، يصل النور إلى جفن الطفل النائم، يتقلب قبل أن يتوثب إلى الحياة والمدرسة، هي الرحلة المنتظرة، رحلة المعرفة. تتزامن هذه الأيام مع وقت العودة إلى المدارس، إلى القرطاس والقلم، إلى العلم والمعلم، الكتب والأصدقاء. لعلها لحظات اللبنة الأولى، حجر الأساس الذي تضعه الأيام في ذهن الطفل، وعليه يقوم نجاحه، تقدمه، مواهبه، ومستقبله، إنها ذاكرة طفل. لعل هذه الفترة تبلغ من الأهمية الشيء العظيم، وعليها فإنه لزاماً على الأهالي بذل وتقديم التهيئة المناسبة لصناعة ذكرى جميلة، ذكرى لصورة وصوت وطعم ورائحة. بعد عمر، سيجد هذا الشخص، ابتسامة أمه تطل عليه في جميع صباحات الحياة، ستتداعى عليه أصوات الوقت المبكر، كما تتداعى علينا الآن أصوات الشيخ عبدالباسط عبدالصمد والحصري، فماذا لو قمنا بتركيب خلفيات صوتية لصباحات أطفالنا، أن نربط صوت صباحهم بالقرآن والأذكار، بالسكينة واطمئنان النهار. إنهم سيظلون يدركون رائحة أيامهم الأولى، المعطرة بالطيب الذي كان أهل البيت يحرصون على استخدامه، الآن وبعد بضع وعشرين سنة، تذكرني رائحة الطيب ودهن العود بمدرستي في الصبح، كانت تطيبنا أمي للعلم، لذاكرتنا، للتاريخ الذي يُبنى دون أن ننتبه ليد الأيام التي لا تتعب ولا تتوقف من الجهد والبناء. إنها أيام العلم، والثورات العلمية الحقيقية التي تحدث في آفاق الفكر، في أذهان طلبتنا، فيها تتبلور حواسهم على المعرفة، وتألف أرواحهم العلم، البرهان الذي ينبذ الضلال والوهم، واليقين الذي يرفض الجهل جملة وتفصيلا. فلنهتم بلحظات الصبح الأولى، نعتني بأن نزج أطفالنا في دائرة المعارف، وهم على استعداد نفسي وعاطفي واجتماعي، لمواجهة العقل والحكمة، واستبيان البينة واعتناق الحجة. ومن ثم احتواؤهم بذات الاهتمام، نكمل معهم دائرة اليوم، في نهارهم وليلهم، بعادات صحية، في غذائهم ونومهم ومذاكرتهم وحتى نقاشهم وملاعبتهم، هم فلذات أكبادنا، مستقبل، وجيل، وقوة، صرح شامخ في مواجهة تقلبات الحياة، نحن البناؤون، فلنتقن البناء.