19 سبتمبر 2025
تسجيلانتفاضة الشارع العراقي ومطالبته بالتغيير، وضرب رموز الفساد، والبدء بحياة سياسية عراقية جديدة ومختلفة، كانت هي الرد الموضوعي على أوضاع التدهور والفشل المريع الذي رافق تجربة سلطة طائفية فشلت بشكل ذريع في قيادة العمل الوطني نحو بر الأمان، ولم تفرز سوى نتائج هزيلة تمثلت في تنمية حيتان الفساد ونهب الدولة وإفقار الشعب وزرع بذور الحرب الأهلية التدميرية الطائفية التي قادها بكل جدارة مختار العصر والزمان وأمير أمراء الفساد العراقي الرهيب رئيس الحكومة السابق نوري المالكي الذي طالبت الجماهير العراقية برأسه كثمن واجب الدفع للتغيير الحقيقي. ولكننا راهنا منذ البداية على عدم إمكانية تحقق ذلك المطلب الجماهيري، ولأسباب عديدة، أبرزها أن المالكي يحظى بالرضا الإيراني الهمايوني، ورضا إيران عملية لا تقبل القسمة أبداً في عراق الملل والنحل والمحاصصة. فبعد الجعجعة التي أثارها رئيس الحكومة حيدر العبادي وهو يهدد باجتثاث الفساد واستئصاله ويعرب عن استعداده للتضحية ولو بحياته من أجل إنجاز مشروع التغيير وتنفيذ مطالب الجماهير العاجلة، فإذا بالمفاجأة تحدث وهي بالنسبة لتقديرنا ليست مفاجأة أبداً، وتتمثل في سفر نوري المالكي رسمياً لطهران وقيادة وفد من حزبه الدعوة للقاء مع القيادة الإيرانية العليا رغم عدم وجود صفة رسمية له بعد خلعه من منصب نائب الرئيس الوهمي، ليكون ذلك الفعل الخازوق الأول في مشروع التغيير المنشود، ثم صدرت تصريحات إيرانية على لسان علي أكبر ولايتي صانع السياسة الإيرانية في الشرق ومستشار الولي الفقيه الإستراتيجي تدعم نوري المالكي وتعتبره من أقطاب الممانعة والمقاومة في الشرق، مع ما يعنيه ذلك التصريح من إضفاء الحصانة على المالكي وضمان عدم تحريك أي ملفات قانونية ضده في العراق، لكون ذلك يصطدم بالرغبة الإيرانية وهي أوامر غير قابلة للمساومة أو النقاش. تحرك آخر برز من بين ركام الأحداث تمثل في نزول الميليشيات الطائفية لساحات التظاهر والقيام (ببروفات) تمهيدية لقمع مبرمج عبر طعن وضرب ناشطين وإشاعة أجواء الخوف والتهديد، تمهيدا لتدخل ميليشياوي أوسع، إن خرج الشارع العراقي عن السيطرة الحكومية المقننة للتحركات والمطالبات، مما يعني ضمنيا أن معسكر الفساد الطائفي قد استوعب الصدمة الجماهيرية الأولى وهو مستنفر اليوم وعلى جاهزية قتالية عالية للفتك بالجماهير وتعليق ذلك على شماعة (داعش) وغيرها، وهي تبريرات جاهزة و(شرعية) للفتك بالجماهير المنتفضة ولا تحتاج سوى لرتوش قليلة من بعض المعممين لكي تصبح قانونية ومقبولة شرعيا، فإمام جمعة النجف مثلا، وهو صدر الدين القبانجي وهو أيضا أحد رجال النظام الإيراني في العراق وصم المتظاهرين بالبعثيين والدواعش والكفار، وهو نفس التصنيف الإيراني الذي أعلنه رئيس أركان الجيش الإيراني فيروز آبادي حينما وصف جماهير المحتجين بالكفار، متناسيا أنهم يتظاهرون في بغداد وليس في طهران، وضد سلطة غاشمة وليس ضد مؤسسة دينية معينة. التطور الجديد بعد زيارة المالكي ووفده لطهران يتمثل بدخول قائد فيلق القدس قاسم سليماني من جديد للعراق لقيادة عمليات قمع قريبة قادمة وعبر حشد الميليشيات (بدر والعصائب وسرايا الخراساني) وبقية المجاميع الطائفية في المعارك القادمة على محوري مدن العراق السنية وعلى ساحات التظاهر التي ستباح دماء المشاركين فيها. من المؤكد أن ساحات العراق ستغرق في بحار الدماء خلال الأسابيع القادمة، فحيدر العبادي أضعف كثيرا من أن يستجيب فعلا لمطالب الجماهير، لكونه جزءا فاعلا من منظومة الفساد الطائفي الرهيب. العراق على أعتاب مرحلة دموية حاسمة ستكون مفصلية ومحورية على صعيد وجوده الإقليمي كدولة موحدة، فالنظام الإيراني يعتبر التظاهرات الشعبية العراقية موجهة ضده، وهو يعتبر العراق خط الدفاع الأول والأخير عن متاريس دولة الولي الفقيه في طهران. ثمة مصائب ودماء وبلاوي كبرى في الطريق، فليس سهلا أبداً مناطحة التغلغل الإيراني في العمق العراقي دون تدخل دولي. معركة تقرير مستقبل المنطقة تجري فصولها اليوم على المسرح العراقي الساخن.. فمن سيكسب في نهاية المطاف؟.. لننتظر ونرى.. فالقادم رهيب.