30 أكتوبر 2025
تسجيلالصهيونية باقية ما بقيت إسرائيل في الوجود.. أما ما يقال عن تباين أو تناقض تفترضه التحولات التاريخية بين الأصل الصهيوني والفرع الإسرائيلي، فإن هذه المقولات هدفها دغدغة العواطف بعد خسارة اليمين في الانتخابات، وهذا ما برز في تصريحها بنيامين نتنياهو من أن "الصهيونية تنزل راياتها" وهي لا تخلو من مقاصد فكرية وأيديولوجية ربما غاياتها حفظ الكينونة اليهودية من الذوبان أو الحؤول دون العودة إلى فضاء الشتات.صحيح أن الصهيونية حققت نجاحا دعائيا لتثبيت وجودها كما يشير د/برهان غليون، وفي التغطية على اغتصابها فلسطين، وفي إضفاء الشرعية على سياستها العنصرية، حيث استخدمت نظرية معاداة السامية استخداماً أيديولوجياً في الداخل لتعبئة الرأي العام وحشده حول مشروعها الاستعماري، وفي الخارج لتبرير مشروعها هذا أيضاً بذريعة الدفاع عن النفس ضد تهديد وجودها."وأوحت للرأي العام لفترة طويلة، حتى بعد 1967م وضم الأراضي العربية الجديدة أن سبب النزاع لا يكمن في الاحتلال اليهودي للأرض، ولكن في رفض العــرب الحوار مع اليهود والتعامل معهم، وعدم اعترافهم بشرعية وجود إسرائيل، بل وتصميمهم على رمي اليهود في البحر وقد استمر ذلك حتى مؤتمر مدريد للسلام 1991م".وبالتأكيد لا يرتبط فعل الاستعمار بوجود التغطية السياسية والأخلاقية، وليس نجاح الصهيونية في إيجاد مبررات الاستعمار هو العامل الرئيسي في إنجازها العملي، بل إن هذا الإنجاز يرجع بشكل رئيسي إلى نجاح الصهيونية في أن تبقى لصيقة بالإستراتيجيات الاستعمارية وإستراتيجيات الهيمنة الدولية، وأن تسير في ركابها.. ثم إن للغزو ديناميته الخاصة التي تعتمد على توزيع الغنائم والمكاسب المجانية أو شبه المجانية، وإن ما جذب اليهود أو العدد الأكبر منهم إلى فلسطين ليس الإيمان الديني بالضرورة، ولا حلم التحرر السياسي وبناء دولة، والانعتاق من وضعية الهامشية أو العيش في المعازل اليهودية التقليدية. إن الامتيازات العينية وغير المباشرة من خلال انتزاع ملكية الشعوب المقهورة.. ومن يراقب سياسة إسرائيل منذ نشوئها يدرك إلى أي حد كانت ولا تزال حتى اليوم قائمة على الهرب من الاعتراف بالواقع الذي تعيش فيه، وهو إنكار حق الشعب الفلسطيني في حقوقه المشروعة في العودة وإقامة الدولة المستقلة على أرضه، وهذا هو منطق الصهيونية في الإقصاء والإلغاء لحقوق الآخر الثابتة بدعاوى الحقوق التاريخية المزعومة، ومحاولة قطع الطريق على قيام دولة فلسطينية مقبلة!ورغم العيوب الكبيرة التي عصفت بالتجربة الصهيونية على امتداد ما يزيد على قرن كامل، وبالتجربة الإسرائيلية على ما يزيد على نصف قرن أيضاً.. سيظل مبدأ القوة والتحفز واستنفار العصب الصهيوني الأصلي هو العلاقة التي تنظم حاضر ومستقبل هذا الكيان.وفي هذا المعنى يرى المحللون أن الخلل السياسي الذي يصيب الصهيونية في أفكارها وفي مشاريعها، يصيب إسرائيل في مجتمعها السياسي وأمنها ووجودها في المنطقة.. فالتكامل بين الحركة والدولة هو تكامل وجودي، ولسوف يؤول إلى نتائج واحد.. وتبدو إسرائيل وهي تخوض أطوارها الجديدة من الصراع مع العـرب.. ومع البيئة الحضارية الواسعة في المنطقة مجالاً حيوياً لاختبار انتهاء الصهيونية أو تجددها.لقد وضعت الصهيونية مقاصدها العليا في الدولة الإسرائيلية، وبهذا صارت الأيديولوجيا الصهيونية عينها، ولا فصل بين الفكرة الصهيونية والدولة الإسرائيلية، ما دامت الأخيرة تتغذى منها وتتحصن بها.لكن هل نقول إن الصهيونية قد كفت عن كونها مجرد أيديولوجيا، وإنما هي ظاهرة واقعية وتاريخية خاضعة لتبدلات الأحوال السياسية وموازين القوى وتحولات أنظمة القيم.لا نعتقد بذلك.. بدليل الالتفاف الإسرائيلي من كل القوى السياسية لإجهاض تحرير الأرض الفلسطينية المحتلة، والـتأييد الكبير من الإسرائيليين بالاستمرار بضرب غزة، وهذا أظهرته الاستطلاعات الإسرائيلية من الرغبة الكبيرة في الحرب ضد الفلسطينيين في القطاع بهدف القضاء على المقاومة في غزة، فهل تعيش إسرائيل مرحلة "انتعاش الصهيونية" في ظل الأزمة الحالية؟ أم أن هذه المقولات مجرد تخدير آخر هدفها الحفاظ على ديمومة الكيان الإسرائيلي من أي خطر على وجوده؟