15 سبتمبر 2025

تسجيل

عندما يخطط الشيطان للمستقبل!

17 يوليو 2024

تخيل لو أن الشيطان يخطط لمستقبلك. كيف سيكون شكله؟ النار والدمار وخراب الديار.. أليس كذلك؟ للأسف، هذا ليس خيالا. إنه الواقع. فما يزال الشيطان يعد الناس الفقر عن طريق أوليائه من أعداء الإنسانية وهم يصنعونه للبشر، بأساليب كلية وأخرى جزئية. تحدثنا سابقا عن العائلات المعدودة التي تتحكم في الاقتصاد العالمي، وعدد شركاتها التي تسيطر على التجارة العالمية. واليوم نتناول عددا من الأساليب الكلية في تنفيذ مخططات أعداء الإنسانية لتقنين الفقر وفرضه على الشعوب. تبلور ذلك مع تأسيس البنوك، وتشمل المؤسسات المالية الدولية، وهناك مقولة مشهورة مفادها «إنه ليس أسوأ من جريمة سرقة بنك إلا جريمة تأسيسه». فمع تأسيس البنوك وترسُخ عملها فُتح الباب لأعداء الإنسانية للتحكم في ثروات البشر وتوجيهها في الاتجاه الذي يريدون حتى ولو لم يمتلكوها ملكية مباشرة. وهناك دراسات كثيرة حول خدعة البنوك وأثرها الشيطاني في صناعة الفقر وتكبيل وإخضاع الحكومات والشعوب بالديون، ومنها سلسلة وثائقيات بالغة الأهمية من إنتاج «مركز دراسات الواقع والتاريخ». ومما يذكر في هذا الصدد ما كشفه لي د. ريتشارد سطبظ (R.Stubbs) مؤسس مدرسة الاقتصاد السياسي البريطانية، من أن الأمريكيين، (ومن يتخفون وراءهم)، استخدموا أموال بعض دول الخليج، المتراكمة في بنوكهم، من أرباح النفط، في السبعينات والثمانينات، للقيام بأعمال تخريبية في أرجاء العالم وخاصة أمريكا اللاتينية مثل التحريض على الانقلابات وإزالة الحكومات وشراء الاحتكارات. وفي كتاب «اعترافات قاتل اقتصادي» لجون بيركنز، في طبعتيه الأولى والثانية (2005، 2016)، تفاصيل حقيقية لمثل تلك العمليات، كونه كان أحد منفذيها. وهو ما واصل كشفه في كتاب آخر بعنوان «التاريخ السري للإمبراطورية الأمريكية، 2007». أسلوب آخر ساهم في وصول عبدة الشيطان إلى التحكم في كل شيء في الأرض تقريبا هو ما سموه الاستثمار الأجنبي المباشر (FDI)، والخصخصة، أي إلغاء دور الحكومات والاعتماد على «القطاع الخاص» الذي تتخفى وراءه شركاتهم ووكلاؤهم. وقد بدأوا يزيحون «قناع ماركس» عن وجوههم تدريجيا حينما شعروا بأن قبضتهم على العالم قد اقتربت من الإحكام وفق اعتراف الحاخام روبنشتاين الذي سنحتاج للتذكير بخطابه الخطير كثيرا. ومن بين الشعارات التي روجوها لتنفيذ ذلك ما سموه (do more with less) أي «حقق الأكثر بالأقل»، أي تقليل الدور الحكومي لصالحهم. وقد تمكنوا من ترسيخ ذلك وترويجه من خلال العلوم السياسية التي باتت حقا عقيدتهم الأسمى ودينهم الجديد. ولأنهم سيطروا على معظم مناطق العالم من قبل فقد غزوا تلك المناطق جميعا، ومنها دول الشرق الأوسط، بتلك الأفكار التي استباحت ولاتزال المؤسسات العامة في معظم الدول، عن طريق شرائها بأسعار بَخْسة لا تساوي فُتات قيمتها الحقيقية، وبشروط تجعل كل الخسائر على الشعوب وكل المكاسب لهم. وبالطبع كان لذلك تداعياته الخطيرة ومنها استئثارهم بالثروات الحقيقية حيث باتت معظم الأرباح تعود إليهم هم وليس للشعوب والحكومات التي باتت كلها مدينة لهم بما فيها الحكومة الأمريكية! كما سبب ذلك استئثارهم بما هو أهم وأخطر كثيرا وهو التخطيط لمستقبل الشعوب وكل ما يتعلق بحياتها، عمرانيا وتعليميا وصحيا وغذائيا واجتماعيا وعقائديا، إلخ. وماذا ينتظر الإنسان السوي من الشيطان وعبدته عندما يصبحون هم المخططين لمستقبل البشرية سوى التخطيط بعيدا عن الرخاء والتقدم، وبعيدا عن السكينة والإيمان من جانب، وأيضا التخطيط للهلاك والدمار من جانب آخر، من خلال توجيه العلوم والتكنولوجيا لنشر الفساد والأمراض وعدم انتاج الأدوية الناجعة ولكن التي تُبقي المرض، وإفساد التعليم والغذاء والماء والهواء، في وقت يحاربون فيه كل اكتشاف علمي مفيد ونافع بحق. ولعل مكيدة كورونا تقدم مثالا واضحا على ذلك. أسلوب آخر سموه الاستحواذ والاندماج، Mergers and acquisitions. فبعد أن يشتروا مجموعة كبيرة من الشركات يعلنون الاندماج بينها لتكوين شركة واحدة كبيرة، ثم تستحوذ تلك الشركة على شركات أخرى كبيرة مثلها أو أصغر حجما، وهكذا. وبهذا يحدث الاحتكار، المنهي عنه في أسس النظام الديمقراطي المفترض، أمام الجميع وبتشريع ومباركة «كنائسهم ومعابدهم» المستحدثة وهي الجامعات ومراكز البحوث كما أشرنا من قبل. ومع الاحتكار يأتي كل الخراب، فيأتي رفع الأسعار بلا منطق، كما يأتي خفض الأجور بإجحاف، لأن من يحتكر الانتاج يحتكر التشغيل في آن معا. كما تتلاشى الديمقراطية والعدالة لأنه مع الخصخصة والاحتكار تتلاشى المحاسبة، فالشركات لا تتحمل أي مسؤولية مباشرة أمام الشعوب. ومما كُتب في التحذير من هذه الخدعة مقال لإدوارد هيرمان وريتشارد دو بوف، بعنوان «الاندماج والاستحواذ وتآكل الديمقراطية»، ذكرا فيه أنه في العام 1999، أي قبل ربع قرن، كانت نسبة استحواذ الشركات الكبرى تصل إلى ثلث قيمة الاقتصاد الأمريكي. ومنذ سادت عمليات الاستحواذ تلك وتعاظم الاحتكار زادت عمليات الغلاء وانهيار الخدمات وإغلاق المدارس وتقليل عدد المشافي والأطباء، وتقليل الإنفاق على البنى التحتية. ويرتبط مباشرة بمسألة الاندماج والاستحواذ خدعة أخرى هي من الأسباب المهمة في إدامة الفقر على الفقراء والغنى على الأغنياء، سموها نظام «الفرانشايز» (Franshising) أو حق منح الامتياز، أي امتلاك غير كامل من الباطن، بمعنى أنهم ينشئون الشركات، التي تسيطر على كل القطاعات، ثم يعطون من يريد الاستثمار حق استخدام اسم تلك الشركات وإدارتها وليس ملكيتها، مقابل أن يدفع لهم نسبا كبيرة من الأرباح وأشياء أخرى من أهمها أنه لا يستطيع اتخاذ أي قرار مستقل في إدارة الامتياز الممنوح له، وهكذا. وقد سيطروا بذلك على أغلب قطاعات سوق الخدمات والتصنيع وكل شيء. وكما ذكرت سابقا مكنهم ذلك من السيطرة على الأرباح الكبرى ورأس المال والأهم على التخطيط والتوجيه لمستقبلنا!.