16 سبتمبر 2025

تسجيل

فقر التسامح

17 يوليو 2014

ما أجمل أن ترى الألفة والمحبة بين الصائمين فأخلاق الصائم ينبغي أن تقوم على التسامح وليعلم إذا أصابه أحد بسوء فليقل إني صائم حتى يعلم نفسه أنه في حالة إيمانية عالية، لأن المجتمع الإيماني لا تقوم المعاملة بين أفراده على المؤاخذة والمحاسبة لها في كل صغيرة وكبيرة وإنما تقوم فيه المعاملة بين الأفراد على المسامحة والصفح والصبر وهذا ما دعت إليه نصوص الإسلام وحض عليه هديه العالي، فالإنسان المستجيب لهدي دينه عفو غفور، والعفو خلق إنساني عال أشادت به النصوص القرآنية إشادة بالغة وجعلت المتخلقين به من أرقى النماذج التقية في الإسلام إذ أدخلهم في زمرة المحسنين الذين فازوا بمحبة الله ورضوانه يقول تعالى:(والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين)آل عمران: 134، ذلك بأنهم كظموا غيظهم ولم يحقدوا ولم يضغنوا، بل تحرروا من وقر الضغينة والحقد، وانطلقوا في آفاق العفو والصفح والتسامح، ففازوا بصفاء النفس ونقائها وراحتها وبما أكبر من ذلك فازوا بمحبة الله ورضوانه، فإنه يطلق على الإنسان إنسانا لما فيه من معاني الأنس والألفة لذا لابد لهذا الإنسان في هذه الحياة من مخالطة الناس واتخاذ بعضهم جليسا له وعونا على مشاكل الحياة.فليحسن كل مسلم ما يستخدم من التقنيات الحديثة ولتمتلئ نفسه بالتسامح والمحبة ولا يحس بفقر في التسامح، فالناس متفاوتون في أخلاقهم وطباعهم فمنهم الخيِر والفاضل الذي ينتفع بصحبته وصداقته ومجاورته ومشاورته، ومنهم الرديء الناقص العقل الذي يتضرر بقربه وعشرته وصداقته وجميع الاتصالات به ضرر وشر ونكد، فإنك إن صحبت الأخيار ارتقيت بهم إلى الله وإن صحبت الأشرار هووا بك إلى الهلاك فالصاحب ساحب والصاحب هوية لك، أنت من؟ أعرفك من أصحابك فلا يعقل ولا يقبل أن المؤمن الطاهر العفيف يصاحب إنسانا منحرفا بذيء اللسان له مغامرات في المعاصي والآثام يفتخر بها، فلو تأملت في كلمة التسامح لوجدت أنها عذبة في اللسان، سلسلة ورقيقة في المنطوقِ، ذات رنين جميل في السماع، لكنها ثقيلة على النفس يقبلها العقل كلمة مجردة لكنه يجد كلفة ومشقة في تطبيقها في الواقع، فما الذي يمنع كثيرا من البشر من تطبيقها؟ ورفضِ التخلقِ بها وتحبيذ الغلظة والحدة والغضب والكبرياءِ بديلا عنها، إن المسامح كريم كما يقال في المثل، وإن هذا الكرم يصدر من نفسٍ زكية، واسعة لا تضيق من أغلاط الناسِ، ولا تتكدر من سقطات النفوس ولا تهيج لاستفزازاتهم، إنه كريم لأن الكرم هو بذل العطاء في وقت الشدة، والشدة هنا حين يغلظ الناس في قولهم المهين ونقدهم المشين، فيقابله بعطاءِ التسامحِ والعفو وهنا يعلو بمكانته فوقهم، ويسمو بخلقه مرتبة عالية يحسده الناس عليها.التسامح كلمة جميلة باتفاق اللغات والأعراف والأمم كلها، إنه يعني الصفح عمن أخطأ عليك أو تجاوز حده أو اختلف معك اختلافا غير أخلاقي، فالمفهوم بهذا الاعتبار قيمة أخلاقية عظمى، وانتصار لروح الخير والأخلاق في النفس الإنسانية على روح الشر من الاستجابة لنزغات الشيطان وهو أساس التعامل الذي يفترض أن يحكم علاقة الناس بعضهم ببعض، أما الإصرار على رفضه فهو إصرار على إلحاق الأذى بالنفس قبل الآخرين، وهو إصرار على المعاناة الشخصية في مواجهة قلب مظلم.إن العفو والصفح والمسامحة مرتق عال لا يستطيع بلوغه إلا الذين انفتحت مغاليق قلوبهم لهدي الإسلام، فآثروا ما عن عند الله من مغفرة وثواب وتكريم على ما هجست به النفوس من حب الانتصار والانتقام والانتصاف، بل أخذ بيده برفق إلى مرتقى الصبر والغفران والتسامح وأكد له أن بلوغ ذلك المرتقى من عزم الأمور فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين فهذه معان قرآنية محكمة من أصول الدين تدل على أخلاقه الإسلامية الأصيلة، التي شرعها الإسلام لأبنائه، وحث عليه قبل أن تولد الفلسفة في الفكر الحديث، وهذا هو خلق المؤمن في مثل هذه المواقف أن يصفح الصفح جميل.