16 سبتمبر 2025
تسجيلإن تقصير المسلمين في النصيحة، يتأتى من جانبين، الأول تركهم إسداء النصيحة، والثاني تركهم أخذها إن قيلت، والجانب الأول في غاية الخطورة؛ لأن النصيحة هي وسيلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فحين تركها تفقد الأمة خيريتها، التي استحقتها بهذه الصفة قال تعالى :( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله)، ولا نكن كاليهود الذين من خصالهم الذميمة، أنهم لا يتناهون عن المنكر فلعنهم الله لهذه الصفة، كما جاء ذلك في سورة المائدة، أما الذين آمنوا فصفتهم في قوله تعالى: (وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر). أما الجانب الثاني، فحري بكل امرئ عاقل، الحذر من العجب برأيه، فقديماً قالوا (من استبد برأيه هلك)، وعليه أن يستمع لمن ينصحه، ويوسع صدره له، ويقربه من مجلسه، ويظن به الخير، ويشكره على فضله، وثم أمر هام ينبغي أن يضعه في حسبانه، وهو أنه ما كل ناصح يكون ملخصاً في نصحه، ولا كل مخلص تأخذ منه النصيحة، ولكن إذا توّفر مع جانب الإخلاص، الدين والعلم، وجبت حينئذ طاعته، وإلى هذا المعنى أشار الشاعر في قوله: فما كل ذي لب بمؤتيك نصحه وما كل مؤتٍ نصحه بلبيب ولكن إذا ما استجمعا عند واحد فحُقَّ له من طاعة بنصيب وإن لم تأت البادرة بالنصيحة من أخيه، كان الأجدر به أن يستنصحه، ولا ينسى قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه:(رحم الله امرأً أهدى إلينا عيوبنا)، ولا يفوتني ما في قوله من دقة وبلاغة في التعبير، ففي اختياره كلمة (أهدى) دون سواها، فلم يقل مثلاً أعلمنا أو أخبرنا أو ذكر لنا عيوبنا ، دلالتين، الأولى أنه يفرح ويستأنس بمن يطلعه على عيوبه، كفرحه وسعادته بأخذ الهدية، والدلالة الثانية ما توحي به كلمة أهدى، من أن الذي يعطي الهدية، تقضي عليه طبيعة الحال بداهة، أن يهديها بأسلوب، تغمره الرقة والرفق واللطافة، لا الشدة والعنف والفظاظة، وهذا هو المطلوب فعله من الناصح تجاه المنصوح له. وثمة أدبين يحسن بالناصح ألا يدعهما، أولهما ألا يدخل مع من ينصحه في جدال؛ لأن الجدل يؤدي إلى تمسك الآخر برأيه، وعبر عن هذا المعنى، أحمد شوقي وهو من معانيه المبتكرة، وحكمه السائرة فقد قال رحمه الله رحمة واسعة: لك نصحي وما عليك جدالي آفة النصحِ أن يكون جدالا وثانيها، أن يكون النصح سراً لا جهراً، وإلا صارت النصيحة فضيحة !! وفي هذا يقول شوقي رحمه الله، مكرراً أيضاً المعنى الأول: آفة النصح أن يكون جدالاً وأذى النصح أن يكون جهارا وقيل في هذا المعنى أيضاً: تعمدني بنصحك في انفرادي وجنبني النصيحة في الجماعة فإن النصح بين الناس نوع من التوبيخ لا أرضى استماعه وأنا يعلم الله ما أردت إلا التذكير والموعظة، وأقول كما قال الله تعالى حكايةً عن هود عليه السلام (وأنا لكم ناصح أمين)، متمثلاً بقول الشاعر: ولقد نصحتك إن قبلت نصيحتي والنصح أغلى ما يباع ويوهب.