15 سبتمبر 2025

تسجيل

تهاوي الورقة الخضراء

17 يوليو 2011

تتهاوى العملة الأمريكية بسرعة كبيرة في أسواق المال العالمية، مما يكبد عملات البلدان المرتبطة بالدولار خسائر جسيمة وينعكس على أسعار مختلف أنواع السلع والخدمات ويزيد من معدلات لتضخم. في السابق كانت معظم تأثيرات تراجع الدولار تتمحور حول انخفاض العملات الوطنية المرتبطة به بنسب مماثلة تجاه العملات الرئيسية الأخرى في العالم، كاليورو والجنيه الإسترليني، إلا أن هناك مستجدات عديدة تشير إلى امتداد هذه التأثيرات إلى جوانب أخرى لا تقل أهمية، مما قد تتسبب في حالة حدوثها في خسائر هائلة ليس للبلدان المرتبطة بالعملة الأمريكية فحسب، وإنما للاقتصاد العالمي ككل، وبالأخص للبلدان المستثمرة في الولايات المتحدة. هذه المستجدات برزت، كإفرازات للأزمة المالية العالمية والتي حاولت واشنطن تجاوز بعض تداعياتها من خلال ما يسمى بـ "خطة التيسير الكمي" والتي من خلالها يتم طبع المزيد من العملة الأمريكية دون أسس مالية سليمة، حيث طبع بنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي، أي البنك المركزي منذ بدء الأزمة ثلاثة تريليونات دولار، مما ترتب عليه عواقب وخيمة على الدولار بشكل خاص وعلى الأوضاع المالية للولايات المتحدة بشكل عام. ومع ذلك، فإن هذه الخطط المتعاقبة لم تثمر النتائج المرجوة منها، بل وأوصلت الاقتصاد الأمريكي إلى شفا الهاوية، كما تشير إلى ذلك وكالات التصنيف الدولية، حيث يمكن ذكر بعض المستجدات التي ستطال استثمارات مختلف بلدان العالم بسبب تجاوز الاقتصاد الأمريكي للخطوط الحمراء المتعارف عليها دوليا. وأول هذه المستجدات يكمن في تجاوز الدين العام الأميركي لنسبة %60 من حجم الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة الأمان ووصوله إلى %100 من حجم هذا الناتج ليبلغ 14.3 تريليون دولار، حيث يشبه هذا الوضع إلى حد بعيد وضع اليونان قبل الأزمة وهو أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى حدوث أزمة اليونان وغيرها من البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. أما ثاني هذه المستجدات، فإنه يرتبط بحجم العجز في الموازنة الأمريكية والذي بلغ بدوره رقما قياسيا تخطى نسبة الأمان البالغة 3% ليصل إلى 9% في العام الماضي 2010 وهو مؤشر خطير لا يمكن حله من خلال خطط التيسير الكمي المتبعة، حيث تشير التقديرات الأولية إلى ارتفاع العجز مرة أخرى في العام الحالي 2011. وبما أن حجم الدين العام وصل إلى هذا المستوى، فإنه ليس بوسع الإدارة الأمريكية تجاوز هذه النسبة دون موافقة الكونغرس وفق الأنظمة المالية الأمريكية، إذ إن ذلك يشير إلى وجود احتمالين لا ثالث لهما، فإما أن يوافق الكونغرس على تخطي هذه النسبة والموافقة على توسيع الدين العام، مما يعني زيادة تدفق الماء من ثقب السفينة المعرضة للغرق. والاحتمال الآخر يكمن في رفض الكونغرس الاقتراض مجددا، مما يضع الإدارة الأمريكية في وضع لا تحسد عليه، في أجواء انتخابات رئاسية بدأت مبكرا وفي أجواء كونجرس تسيطر عليه أغلبية جمهورية في ظل رئيس ديمقراطي. في نفس هذه الأجواء الملبدة بالغيوم السوداء هددت وكالات التصنيف العالمية الرئيسية الأربع بتخفيض التصنيف السيادي للولايات المتحدة من AAA وهو تصنيف مرتفع، حيث سيطال هذا الإجراء في حالة حدوثه ثوابت الاستثمار الأمريكية والتي كانت مثالية وآمنة على مدى العقود الستة الماضية. ونخص بالذكر هنا سندات الخزانة الأمريكية والتي تستثمر فيها مختلف بلدان العالم 10 تريليونات دولار، بما في ذلك الصين واليابان والبلدان الصاعدة والمنتجة للنفط، حيث لا تقتصر عمليات الاستثمار في سندات الخزانة على المؤسسات الحكومية والمصارف المركزية في العالم، وإنما يتعدى ذلك ليطال استثمارات القطاع الخاص، إذ إن تخفيض التصنيف السيادي للولايات المتحدة سوف يصيب قيمة هذه السندات بكارثة حقيقية وسوف تبلغ الخسائر المترتبة عليها 100 مليار دولار. وإذا كانت تداعيات الأزمة السابقة قد أصابت الاستثمارات الأجنبية في الولايات المتحدة في القطاعين العقاري والمالي بصورة أساسية، فإن الأزمة القادمة فيما لو حدثت ستكون شاملة وستنعكس بصورة أكثر شدة على الاقتصاد العالمي، إذ ستفقد الحكومات والبنوك المركزية جزءا كبيرا من قيمة الأصول الحقيقية لاحتياطياتها، مما قد يضطرها لاتخاذ إجراءات مالية ونقدية ستجد لها انعكاسات سلبية على أوضاعها المالية والاقتصادية. وفي كل الأحوال، فإن على الجميع متابعة أوضاع الاقتصاد الأمريكي بعيون فاحصة خلال الأشهر الخمسة المتبقية من العام الجاري والتي سوف تكشف العديد من الحقائق وتبين بصورة أوضح اتجاهات سير الاقتصاد الأمريكي وأزمات منطقة "اليورو" والوضع الاقتصادي العالمي بشكل عام.