26 أكتوبر 2025

تسجيل

من يبرمج الحرب على إيران ويهدد السلام العالمي؟

17 يونيو 2018

يتحرك رئيس حكومة إسرائيل ناتنياهو هذه الأيام ويزورعواصم أوروبية أبرزها باريس وبرلين بالتنسيق مع واشنطن، بغاية معلنة رسميا، وهي إقناع الدول الأوروبية بإلغاء الاتفاق بينها وبين إيران حول ملفها النووي أسوة بالولايات المتحدة وبتحريض معلن هو الآخر من السعودية والإمارات والبحرين ومصر، و سجل المراقبون للشأن الشرق أوسطي أنه لا ماكرون ولا ميركل استمعا إلى "نصائح" ناتنياهو، بل بالعكس أكدا علنا في مؤتمرات صحفية مشتركة أنهما يعارضان الرئيس ترامب في قراره وما يزالان يعتبران أن الاتفاق الموقع في يوليو 2015 قادر على وقف السباق النووي ومنع إيران من الوصول إلى تصنيع سلاح نووي وأن طهران ملتزمة ببنود وشروط الاتفاق برقابة جدية من الوكالة الدولية للطاقة النووية التي يتاح لها التفقد دون إعلام مسبق لكل المفاعلات الإيرانية، وأكدا حرص ألمانيا وفرنسا على احترام الاتفاق ومواصلة التنسيق مع طهران دون انخراط الحليف الأمريكي في العملية. كما سجل المراقبون في الغرب موقف دولة قطر العقلاني من هذا الملف وحرص الدوحة على السلام الإقليمي و الأمن العالمي ومساندتها لكل الجهود الرامية إلى الحفاظ عليهما في مرحلة حساسة يسمع فيها دق طبول الحرب ضد إيران، بل وما صدر في صحيفة لوموند الباريسية من تهديدات سعودية لدولة قطر فيما يتعلق بمنظومة س 400 الدفاعية مع تواصل العدوان الإسرائيلي على المتظاهرين الأبرياء على الحدود مع القطاع بقتل المواطنين الفلسطينيين، آخرهم المسعفة الشهيدة رزان النجار، وهي تؤدي رسالتها النبيلة. في زيارتي الأخيرة لباريس أتيح لي أن أقابل بعض الأصدقاء من السياسيين الأوروبيين والأمريكان الذين عرفتهم أيام المسؤوليات أو المنافي واكتشفت أن هاجسهم الأهم في ملف الحصار الجائر المضروب منذ عام على دولة قطر هو التركيز على احتمال حرب تشن على الجمهورية الإسلامية الإيرانية في ظرف السنة القادمة والعلاقة بين هذا السيناريو الخطير وبين محاصرة قطر وفهم السياسات الخارجية الأمريكية الجديدة منذ اعتلاء الرئيس ترامب سدة الحكم وتنامي التوجهات اليمينية المتطرفة للحكومة الإسرائيلية الراهنة ثم تفكيك الشفرة لتحليل التناقضات المتصاعدة بين مصالح الدول الأوروبية ومصالح الولايات المتحدة هذه التناقضات التي بلغت حدا غير مسبوق على جبهتين اثنتين هما ملف النووي الإيراني وإعلان ترامب الحرب التجارية بفرض رسوم ضريبية على الصلب والمعادن و المواد المصنعة بقرار 6 مايو الحمائي، والذي يضع حدا للتحالف الغربي الأطلسي القائم منذ انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية! قال لي أحد الأصدقاء الفرنسيين إن أخطر ظاهرة على السلام في دول الغرب المرفهة هي هذا التصدع في صرح الوحدة الأطلسية الذي صمد أمام تهديدات الحرب الباردة على مدى نصف قرن وتمكن حلف الناتو القوي من تفكيك المعسكر الشيوعي والانتصار عليه بدون حرب (بالإشارة إلى عنوان كتاب شهير للرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون وهو "النصر بلا حرب")، وأضاف مخاطبي بأن هذا الصرح الغربي المشيد بدأ يتشقق بإرادة جناح متصلب لدى الراعي الأمريكي، حيث شرعت الدول الأوروبية بعد الزلزال تخطط لحماية مصالحها الإستراتيجية دون الاعتماد الكبير على المظلة النووية الأمريكية، وتذكرت حواراتي الشخصية مع صديقي الكبير الراحل (ميشال جوبير) وزير خارجية فرنسا في السبعينيات، حين كان يتكهن بحلول هذا اليوم الذي تنقطع فيه أواصر التحالف الأمريكي الأوروبي، مما يضطر الاتحاد الأوروبي إلى سن سياسات دفاعية قوية أوروبية مشتركة بين دولها لا تعول فقط على الحليف الأمريكي! اليوم وقع ما كان صديقي ميشال جوبير يتنبأ به وينشره في الإعلام، حتى أن نظيره الأمريكي آنذاك الداهية الشهيرهنري كيسنجر كان ينعته بأنه أخطر عدو أوروبي على المصالح الأمريكية! الجواب على سؤالنا "مَنْ برمج الحرب على إيران" هو بسيط للغاية ويعيدنا لسؤال آخر قديم هو "من برمج الحرب على العراق في عهد بوش الأب؟" الجواب هو نفس المخططين للحرب العالمية الشاملة من المحافظين الجدد المتحالفين مع الأساطير التلمودية حين اخترعوا كذبة أسلحة الدمار الشامل العراقي عام 2003 ثم اخترعوا فرية صفقة القرن اليوم، مما يهدد السلام العالمي باتساع بؤر العنف والتطرف ويخل بالتوازنات التقليدية في العلاقات الدولية.