14 سبتمبر 2025
تسجيلتبحث منظمة الأمم المتحدة عن نجاحات ولو إعلامية وبرتوكولية تواري بها سواءاتها وإخفاقاتها الكارثية في أغلب الملفات الدولية، وقد وجدت في اليمن ضالتها ظنا منها أن هذا البلد الذي يعد حجرا هامشية في لعبة الشطرنج الإقليمية والدولية يمكنه أن يكون ساحة لاستعراض نشاط دءوب ومعارك دبلوماسية ومؤتمرات تكون مؤشرا لفاعلية أمينها العام وممثليه الخاصين الذين فشلوا في ملفات أشهرها الملف السوري، غير أن نظرة ناقدة للسلوك والأداء السياسي والدبلوماسي ستضع بلا شك النقاط على الحروف وستتكشف حقائق أهمها أن هذه المنظمة التي أنشئت أساسا لحفظ الأمن والسلام الدوليين والسهر على تطبيق القانون الدولي، تقوم اليوم بدور لا أخلاقيا يمثل سابقة تاريخية وجريمة إنسانية عندما سمحت للميليشيات الحوثية بالاستيلاء على السلطة وشرعنة ذلك بحجة الأمر الواقع، بل وحرص المبعوث السابق جمال بن عمر على مراعاة مشاعرها ومهادنة قادتها باعتبارهم طرفا سياسيا مثله مثل بقية الأطراف، وزيادة على ذلك حرص بن عمر على توقيع اتفاق السلم والشراكة تحت فوهات مدافع الحوثيين وتجاهل أن هناك انقلابا مسلحا على سلطة شرعية، وبعد كل التطورات التراجيدية التي أعقبت سيطرة جماعة "أنصار الله" على العاصمة وكثير من المدن اليمنية، كان المراقبون يتوقعون في تعيين ممثل أممي جديد إلى اليمن وهو إسماعيل ولد الشيخ تغيرا في سياسة هذه المنظمة رغبة في تكفير الأخطاء الكارثية لسلفه في حق الشعب اليمني، لكن يبدو أننا أمام نهج أقرته الولايات المتحدة الأمريكية وهو التعامل مع جماعة الحوثيين كطرف سياسي مهم في حل الأزمة وإشراكها في أي عملية انتقال سياسي مقبل، وهذا يعني أن إغفال الحديث عنها كجماعة متمردة استولت على السلطة بالقوة سيشكل نموذجا كارثيا لجماعات مسلحة مشابهة تسيطر على مساحات جغرافية بأن تصبح دويلات أو تسعى لتغيير الأنظمة بالقوة، مما يهدد السلم والأمن الإقليمي والعالمي. وضعت الأمم المتحدة نفسها في موقف صعب منذ الأيام التي سبقت التحضير لمشاورات جنيف، حيث سعى ولد الشيخ إلى جلب كل الأطراف والتشاور معهم في غرفتين منفصلتين على أمل جمعهم على طاولة واحدة، وحاول إرضاء كل طرف على حساب مصداقية المنظمة التي يمثلها إلى درجة أنه ظهر مرتبكا ومتناقضا، بل أظهر المنظمة الأممية كعدو للشرعية عندما استخدم مصطلحات توحي بالحياد مثل: وفد الرياض ووفد صنعاء كذلك اتفق مع الحكومة اليمنية على أن يمثل كل وفد 7 أشخاص وثلاثة مستشارين وعندما وصل وفد الحوثيين والرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، كانت المفاجأة، حيث رضخ ممثل الأمم المتحدة لمطالب الحوثيين بأن يتكون الوفد من خمسة عشر عضوا بحجة إفساح المجال لتمثيل مكونات سياسية أخرى، الأمر الذي أحدث ارتباكا في أوساط الوفد الذي يمثل الشرعية، إذ بالإضافة إلى حضوره المبكر وملله من الانتظار، أصبح في قاعة جانبية بينما توجهت الأنظار والأضواء إلى كبار ضيوف الحفلة الذين نجحوا في تمرير وصف للمشاورات بأنها بين "مكونات سياسية" فقط وأصبح الرئيس هادي ومن أوفدهم مجرد مكون سياسي فقط، ورغم ما قيل عن الصعوبات التقنية والدبلوماسية إلا أن ذلك يبدو أمرا مقصودا جدا من الحوثيين وحليفهم الرئيس المخلوع الذين دأبوا على المماطلة والمراوغة ولكن هذه المرة كانت قاسية على بان كي مون وعلى المجتمع الدولي برمته، لأن حركة مسلحة انقلبت على سلطة شرعية تفرض شروطها رغم وجود قرار دولي تحت الفصل السابع ولكن حتى ذلك القرار 2216 أصبح محل نقاش ومساومة حيث يشترط "وفد صنعاء "ألا يكون ضمن مرجعيات المشاورات"، بينما يؤكد "وفد الرياض" بأنه لم يأت أصلا إلى جنيف إلا لنقاش كيفية تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي الذي يفرض على الحوثيين وحلفائهم الانسحاب الكامل من المدن وتسليم السلاح للدولة.إسماعيل ولد الشيخ ظهر مفتقدا للتوازن وعدم وضوح الرؤية في التعامل مع ملف كبير أصبحت له تأثيرات إقليمية، ربما يرجع ذلك إلى نقص كبير في تجربته وقدرته على إدارة مثل هذه الملفات التي لا تشبه بأي حال من الأحول فيروس إيبولا، إلا في تأثيراتها الإنسانية الكارثية، كما أن واشنطن وبعد أن أصبح الإسلام الشيعي خيارها الأول في المنطقة، ظهرت إيران ذات يد طولى في العراق وسوريا واليمن، ولم تعد طهران تنفي عبثها بأمن هذه الدول وأمن المنطقة، بل انسحب حسين عبد اللهيان نائب وزير الخارجية الإيراني من اجتماع وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي في جدة قبيل كلمة للرئيس عبد ربه منصور هادي، وهو موقف يعكس دعما صارخا للحوثيين أمام كل أعضاء المنظمة، ويعكس أيضا عدم اعتراف إيران بالسلطة الشرعية المقيمة في السعودية، إذا هناك إرادة أمريكية - إيرانية يستجيب لإيقاعاتها رقصا أو غناء مسؤولو الأمم المتحدة وهذا ما انعكس في مشاورات جنيف، حيث أصبح هدفها الأساسي تدويل الأزمة اليمنية وإخراج ملفها من قبضة التحالف الذي تقوده السعودية إلى دهاليز مدن أوروبية وعالمية ليس من بينها الرياض طبعا.