14 سبتمبر 2025
تسجيلشجعني تصريح رئيس حكومة تونس بأن دولة القانون هي غايته على أن أشير إلى ملف يستحق منه تطبيق القانون وهو ملف احتكار البحر من قبل قلة من الناس تقاسمت الشواطئ العامة لخاصة ربحها العاجل على حساب بقية خلق الله.قرأت على صفحات (العربي الجديد) يوم الأربعاء الماضي تحقيقا عن معضلة تونسية تستحق الدرس والحل وهي أيضا معضلة عربية تعمق التخلف وتكرس صراع الطبقات وهي معضلة سمتها الصحيفة (خوصصة البحر) وتذكرت الآية الكريمة من سورة الروم:"ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ". صدق الله العظيم. حين قرأت التقرير تذكرت عذاب العائلات التونسية والعربية عموما في الصيف الحارق حين تريد التمتع بشاطئ البحر فتلف بالسيارة أو على النقل العمومي مسافات بعيدة بحثا عن مجرد مترين أو ثلاثة أمتار على الرمل ليأخذ أطفالهم نصيبهم المشروع من بحر وطنهم ويستحموا في هذا اليم الذي نص القانون في تونس وأعتقد في كل البلاد العربية على أنه ملك للشعب! تقول الخبيرة القانونية السيدة رفيقة الحبابي: ينص القانون التونسي على (أن كل الشواطئ عمومية وأن مياه البحر وسواحل البلاد جميعا ملك لكل المواطنين بلا استثناء) هذا هو القانون لكن الواقع المر والمتخلف نقيض هذا الحق، لأن تونس التي حباها الله بـ1300 كيلو متر من السواحل الجميلة النظيفة تحولت أغلب شواطئها إلى فضاءات خاصة يحتكرها ناس منحتهم البلديات رخصا باستغلال الشواطئ استغلالا تجاريا احتكاريا، إما بتخصيص مساحات طويلة من ملك الشعب للفنادق التي بنوها بقروض بنكية لم تسدد إلى اليوم وإما بإقامة بناءات فوضوية مؤقتة سموها (مقاهٍ سياحية) نصبوا فيها بارات ومطابخ وكراسي ومظلات أصبحت تؤجر للعائلات بإتاوات جائرة إلى جانب إجبار الناس على استهلاك الأكل والشرب (والذي تأكد التوانسة من نصيبه من الغش في الأيام الماضية مما أفقد الجمهور الواسع ثقته في نجاعة الرقابة الصحية على الأغذية) رغم أن أغلب عائلاتنا الكريمة المتوسطة لا تقدر على دفع معاليم ظالمة لأصحاب هذه المحلات لمجرد أن لديهم رخصة بلدية هي ذاتها مخالفة للقانون، لأن البحر ليس ملكا للبلدية، بل البلدية مسؤولة أمام القانون والرأي العام مكلفة بأن تنظفه من التلوث وأن تعاقب الملوثين. أما عن هذا التلوث وتدنيس البيئة البحرية الصافية النقية فحدث ولا حرج، حيث تصب أغلب مجاري هذه الفنادق والمقاهي فضلاتها اليومية مباشرة في البحر، مثلما يقع في بعض شواطئ مدينة المهدية التاريخية الرائعة مع الأسف، وتضيف الخبيرة بأن الدولة تنفق من أموال الشعب الملايين سنويا لإنقاذ الشواطئ مما يهددها من تلوث ولكن هذه الأموال تصب في خزائن المستغلين للفنادق والمقاهي والمطاعم وهي في أغلبها خارجة عن القانون وتهدد سلامة البيئة وتسرق حقوق المواطن الهارب من لفح الشمس إلى إنعاش البحر. ولا تنسوا أن عدد الشواطئ الملوثة التي صنفتها هذه السنة السلطة التونسية في ازدياد مخيف بسبب هؤلاء الخارجين عن القانون والمتمعشين من تغافل السلطات ومن سكوت المواطن. فالتحقيق بقلم محمد سميح يؤكد في صحيفة (العربي الجديد) أن مرصد العدالة الاجتماعية التونسي أثبت أن الأسرة التونسية متواضعة الدخل مجبورة على أن تدفع مبلغا يتراوح بين 80 و200 دولار لمجرد الدخول إلى ما يسمى ظلما بشاطئ خاص لفندق أو مقهى ساحلي وفي حالة عدم دفع هذه الإتاوة الظالمة تجبر الأسرة على السباحة في شواطئ مهجورة أو ملوثة بعد قطع طرقات غير معبدة ووسط فضاءات غير آمنة كما يعرف التوانسة!.وأنا حين أنصح الحكومة بالجرأة في التصدي للملفات الساخنة والإقدام على الإصلاحات الكبرى فلأني أثق في رجل نظيف هو الحبيب الصيد رئيس الحكومة، لأني أيقنت أنه مسؤول لا تنقصه الجرأة على مواجهة الإصلاحات الكبرى ويعلم الله أني لا أطلب شيئا لنفسي ولا أطمع في منصب، فأنا حرمتني الدولة حتى من حقي في جراية التقاعد بعد أن عملت في الوظيفة العمومية 22 سنة وأسهمت في صناديق التقاعد منذ شبابي وأعلموني في عهد الرئيس بن علي أن وثائقي ضاعت بعد منفاي لمدة 14 عاما بينما الذين نفوني وظلموني واضطهدوني أنا وآلاف غيري يتقاضون جرايات تقاعدهم، بل ويسبحون أمامي في البحر في أملاك خاصة أو فنادق أسهموا في تشييدها!! ولا أجد أنا والملايين من المواطنين سوى الشواطئ المهجورة في حال رفضنا ابتزازنا من قبل هؤلاء الذين لا يخافون الله ولا الحكومة! ولكني أتحسر على ضياع وقت ثمين من عمر الشعب وحكومته في الهامشي من القضايا والطفيلي من المشاكل. وها نحن على أعتاب صيف وشهر رمضان مبارك فلتحشد الدولة بعض أعوانها وموظفيها لرفع هذه المظلمة الساطعة كالشمس لفرض سلطة القانون وإقرار العدالة بين الناس في ظل دولة القانون حتى لا تقول النخب الحاكمة غدا كيف يأخذ الناس حقوقهم بأيديهم مثلما وقع في العديد من المناسبات منذ 14 يناير 2011 إلى اليوم؟ لأنه لا يعقل ولا يقبل بأي حال وتحت أي ذريعة ألا يجد المواطن التونسي ثلاثة أمتار على رمال تونسية تمتد 1300 كيلو متر وهي سواحل يملكها هو وليست حكرا على أصحاب الفنادق والمقاهي السياحية الخارجين عن القانون!. ثم إن مشهدا مخزيا أصبح كأنه عادي على شواطئنا يثير غضب الناس الطيبين المساكين وهو مشهد الحراس الخواص الذين وظفتهم الفنادق والمقاهي لصد العائلات عن بلوغ الشواطئ وقد اختيروا من بين ذوي العضلات المفتولة، مسلحين بالهراوات عادة وهم عبارة عن قوة أمنية خارجة عن سلطة الدولة المخول لها وحدها حماية الأمن فجعلوها لإرهاب المواطن وطرده من ممارسة حقه في السباحة في بحر تونسي، وإني واثق من أن الحالة التونسية هي حالة عربية عامة وأن هذا المقال يهم العرب جميعا. أما في الدول الأخرى التي عشت فيها عقودا كالدول الأوروبية فإن السلطات هي التي توفر المرافق الترفيهية للناس قاطبة بلا فوارق وهي تفعل ذلك لأنها منتخبة وتخدم المواطن بلا منٍّ أو أذى. فالشواطئ على الساحل الشمالي للبحر المتوسط هي بالفعل ملك الشعب تجهزه البلديات بكل ما يريح المواطن ويحميه ويسهل عليه الإقامة فيها بمقابل إذا اختار الامتياز أو بلا أي مقابل إذا تمتع بالبحر مع أهله وهو حقه. إن هيبة الدولة تبدأ من هنا يا سيدي رئيس الحكومة كما أعلنت أنت في التعليمات التي وجهتها لوزرائك وولاتك.