18 سبتمبر 2025
تسجيلسريعا جاء الرد الأمريكي على دعوة الرئيس الإيراني حسن روحاني للتعاون في مواجهة "الإرهاب" في العراق، فقد أعلن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري "أنه منفتح إزاء تعاون محتمل بين واشنطن وطهران حول العراق"، وأبدى استعداد واشنطن لتوجيه ضربات من طائرات بدون طيار لوقف تقدم الجهاديين، وهذا يعني ترك العمل الميداني والحرب البرية للإيرانيين، بالإضافة إلى تعاون أطراف إقليميين بما في ذلك جميع الدول العربية المجاورة للعراق.الغزل السري بين "الجمهورية الإسلامية الإيرانية" و"الشيطان الأكبر الأمريكي" ظهر إلى العلن بعد عامين من المفاوضات السرية التي قادها بيل بيرنز بين أمريكا وإيران وسمحت بترطيب الأجواء بين الطرفين لمواجهة العدو المشترك المتمثل بمقاتلي العشائر المسلمة "السنية" وعناصر الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش".الآن أصبح العراق ملفا مشتركا تلتقي فيه مصالح واشنطن وطهران، مما يكشف القلق الذي يشعر فيه البلدان من التطورات هناك، والسقوط السريع لجيش المالكي في مواجهة المسلحين الذين وصلوا إلى مشارف بغداد، وصاروا قاب قوسين أو أدنى من دخولها، وهو ما لا يريد البيت الأبيض ولا آيات الله أن يروه، فهو في نظرهم كابوس ينبغي قتله في مرحلة الأحلام قبل أن يتحول إلى واقع لا يمكن التخلص منه لاحقا.القنوان بين الإيرانيين والأمريكيين مفتوحة منذ زمن بعيد، ولا ننسى تصريحات نائب الرئيس الإيراني في عهد خاتمي الذي قال يوما في محاضرة في عاصمة خليجية إنه لولا المساعدات الإيرانية للأمريكيين لما سقطت بغداد وكابل بأيديهم، وهي مساعدات لم تتوقف منذ ذلك الحين، بشكل مباشر أو غير مباشر، رغم "الخصومة العلنية" بين الطرفين.ولكن ما هي الخيارات المتاحة أمام الأمريكيين والإيرانيين في العراق؟ وما هو سيناريو التعاون المقترح؟ الخيارات للطرفين في العراق كثيرة ولكنها معقدة، فإيران لها امتدادات شيعية تستطيع أن تستخدمها في حربها ضد "الزحف الإسلامي السني"، وبالفعل بدأت هذه الامتدادات الشيعية بتكوين "الجيش الشيعي في العراق" والذي يطلق عليه "الجيش الرديف، وانطلقت دعوات التطوع "للجهاد" من قبل المرجع الشيعي السيستاني وغيره من المراجع، وأرسلت إيران حوالي 3000 من عناصر "فيلق القدس" لوقف تقدم المسلحين، وهي بالتالي تمتلك "قدرات برية وبشرية"، أما الجانب الأمريكي فقد أعلن على لسان الرئيس أوباما عن إمكانية توجيه ضربات جوية بطائرات بدون طيار، وتزويد قوات المالكي بالسلاح والعتاد والصور الجوية والخبرات، وهذا ما ينقص الجانب الإيراني. كما أن واشنطن قادرة على الضغط على "حلفائها العرب" من المشاركة في "الحرب على الإرهاب" في العراق.كم هو محظوظ هذا المالكي فهو يتمتع بدعم إيران وأمريكا وجميع الدول العربية المجاورة، وتقف تركيا على الحياد، وهو دعم لم يحصل عليه أحد في المنطقة سابقا، فالجمع بين دعم "الخصوم" مسألة معقدة واحتمالاتها ضعيفة بل شبه مستحيلة، وهذا يعني أن المقاتلين العراقيين المسلمين "السنة" سوف يواجهون حلفا إيرانيا أمريكيا عربيا ضدهم، دون أن يكون هناك من يقدم لهم أي مساعدة، مما يتركهم وحيدين في الميدان في مواجهة هذا "الحلف السري العلني".لكن السؤال هو: ماذا لو تمكن المسلحون الثائرون ضد الهيمنة الطائفية الدكتاتورية لنوري المالكي من الدخول إلى بغداد؟ فماذا يمكن أن يحصل؟ وهل يمكن طرح هذا السؤال أصلا؟ أمريكا ومعها 40 دولة لم تستطع أن تهزم طالبان في أفغانستان، وإيران ومعها أمريكا و"أنظمة عربية" لن تستطيع أن تهزم مسلحي القبائل العربية المسلمة ومقاتلي داعش والكتائب الأخرى، وهذا يعني أننا سنكون أمام حرب دينية دامية طويلة الأمد ستعيد ترتيب الأوراق في العراق وإيران والمنطقة كلها.