10 سبتمبر 2025

تسجيل

مخاوف الثلاثين من يونيو

17 يونيو 2013

ثمة ترقب لأحوال الثلاثين من يونيو الجاري في المحروسة وهو الموعد المحدد لمظاهرات سلمية قررتها عدد من القوى السياسية والثورية احتجاجا على ما تطلق عليه فشلا ذريعا للرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي خلال عامه الأول من فترة رئاسته المقررة بأربع سنوات وهو ما يستوجب ضرورة إجراء انتخابات رئاسية مبكرة توفر سبيلا آمنا للخروج من الأزمة التي باتت تستحكم بمفاصل البلاد. والمعضلة تكمن في أن القوى الإسلامية الحاكمة والأخرى التي تتحالف معها أعلنت رفضها للمساس بما تصفه بالشرعية مهددة باللجوء إلى آليات عنيفة لمقاومة من يهددون الرئيس وسلطاته بل بلغ المدى بأحد رموز هذه القوى إلى إبداء الاستعداد لمقتل أكثر من مائة ألف شخص للمحافظة على الشرعية وقد يكون ذلك من قبيل استعراض القوة واستخدام أدوات الحرب النفسية للتأثير على منظمي فعاليات الثلاثين من يونيو خاصة حركة تمرد التي تقود هذه الفعاليات غير أن المخاوف تتسع قاعدتها من إمكانية استغلال عناصر ما لهذه الأجواء المحتقنة عبر القيام بممارسات تدفع الأمور دفعا إلى الاقتتال بين المناهضين والموالين لمرسي. وثمة حدثان وقعا خلال الأيام القليلة الماضية يصبان في منحى يعمق من مخاوف تفجير المشهد الداخلي في المحروسة أولهما ما جرى يوم الأربعاء الماضي بمحطة الرمل بالإسكندرية عندما اعتدى مجموعة من المنتمين لجماعة الإخوان المسلمون على شباب حركة تمرد خلال قيامهم بحملة لجمع توقيعات على وثيقة تطالب بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة وهو ما يؤشر إلى عناصر الجماعة قد تعمل على مواجهة التظاهرات السلمية يوم الثلاثين من يونيو والتي ستكون في المنطقة المحيطة بقصر رئاسة الجمهورية بمنطقة مصر الجديدة والمعروف بالاتحادية والذين يعتزمون الاعتصام حتى يتحقق مطلب المشاركين برحيل مرسي إلى استخدام العنف ضدهم من خلال شباب مدرب ولديه خبرات في استخدام الأسلحة وأساليب الكر والفر قد يدفع الشباب المسالم إلى اللجوء - كرد فعل - إلى العنف مما يعيد إلى الأذهان أحداث الاتحادية خلال شهر نوفمبر الماضي والتي قوبلت خلالها احتجاجات الشباب السلمية باعتداءات ممن أطلق عليهم بمليشيات الإخوان والجماعات المتحالفة معها فتسبب ذلك في قيام هؤلاء بالرد عليهم مما أسفر عن قتلى من الجانبين. أما الحدث الثاني والذي مازالت ظلاله ممتدة حتى الآن فيتمثل في اعتصام مجموعات من المثقفين والحركات الثورية المؤيدة لهم أمام وزارة الثقافة بمنطقة الزمالك احتجاجا على سياسات وزير جديد بدأ مهامه بعمليات إقصاء واسعة لقيادات الوزارة حتى قبل أن يتعرف على أوضاعها ثم جاءت جماعات وعناصر تعلن مساندتها للوزير وسرعان ما انقلب المشهد مساء الأربعاء الماضي أيضاً إلى اشتباكات عنيفة بين الطرفين استخدمت فيها الحجارة وبدت المنطقة المحيطة بمقر الوزارة أشبه بساحة حرب وهو ما اعتبره البعض بروفة لما يمكن أن يقع في الثلاثين من يونيو. وأسهم تصريح للواء محمد إبراهيم وزير الداخلية في رفع سقف المخاوف عندما أعلن أن قوات الأمن ستنسحب من الشارع في يوم التظاهر وأنها لن تتدخل إلا عند تعرض المنشآت الحيوية لأي اعتداء أو خطر لكنه سرعان ما تراجع عنه وأكد أن الأمن سيحمي المتظاهرين وسيتدخل في حالة بروز أي تفاقم للموقف. وأظن أنه يمكن وضع حد لهذه المخاوف من خلال التأكيد على احترام حق المتظاهرين في القيام بفعاليتهم مادامت التزمت بإطارها السلمي البحت وهو حق يقره الدستور والقانون ولكن السؤال من الذي يضمن هذه السلمية وما هي حدودها؟ وفي الوقت ذاته فإنه على أصحاب الموالاة التوقف عن التهديدات باللجوء إلى القتل والعنف والسؤال نفسه مطروح فمن بوسعه أن يضمن عدم انخراط هؤلاء في تنفيذ تهديداتهم مما يحول دون دخول المحروسة في دائرة النار؟ غير أن ثمة خطوات باتت مطلوبة بإلحاح قبل مجيء الثلاثين من يونيو لإزالة الاحتقان خاصة من قبل مؤسسة الرئاسة تبدأ في تقديري بإعلان الرئيس مرسي عن تعهدات تتسم بالجدية والقطع لتنفيذ برنامج محدد المدة والمراحل والأهداف يصب أساسا في اتجاه ينهي سلسلة المعضلات اليومية التي يكابدها المواطن المصري والتي تفاقمت بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير والتي يمكن القول للأسف إنها لم تحقق أهدافها التي خرج الثوار من أجلها وتتمثل في الحرية والكرامة والعيش والعدالة الاجتماعية وأود أن أستطرد قليلا على هذا الصعيد وأقول لو أن الرئيس مرسي ركز جهده من خلال عامه الأول على البحث عن حلول حقيقية لهذه المعضلات لحظي بقاعدة شعبية تحيط به لكنه أعطى - للأسف - الأولوية لمعارك سياسية أضرته ولم تفده فقد نزعت فقط إلى تحقيق ما يوصف بتمكين جماعة الإخوان المسلمين من مفاصل الدولة المصرية وهو أمر من السهل تحقيقه من خلال التفاعل مع مطالب البشر. ومن الأمور الجديرة بالاهتمام والتطبيق خلال الفترة القصيرة القادمة أن يعلن الرئيس مرسي تقليص مسافة التداخل والتماهي مع الجماعة ولا أقول قطع الصلة بها نهائيا خاصة أن ثمة يقينا آخذا في الازدياد بأن من يحكم هو مكتب الإرشاد في منطقة المقطم وليس مكتب الرئيس بقصر الاتحادية. لقد أعلن الدكتور محمد مرسي أكثر من مرة أنه رئيس لكل المصريين غير أن ممارساته لم تدفع الأغلبية إلى تصديقه في هذه المقولة لاسيَّما أنه كان يلجأ إلى عشيرته عندما تحط به الملمات وفي تقديري فإن خطوة من قبيل تغيير حكومة الدكتور هشام قنديل التي أثبتت عجزها رغم كل محاولات الترقيع التي جرت على حقائبها خلال التسعة الأشهر المنصرمة من شأنها أن تدفع الاحتقان الراهن إلى الزوال السريع أو على وجه الدقة إلى التلاشي من المشهد الوطني. إلى جانب ذلك ما الذي يضير مؤسسة الرئاسة لو استجابت لمطلب القوى السياسية والثورية بإقالة النائب العام الحالي الذي صدر به قرار يعد باطلا من حيث المواءمة الدستورية إن المحروسة ليست في حاجة إلى إشعال الحرائق بقدر ما هي في حاجة إلى تلبية الأشواق إلى الحوار والتوافق الوطني الحقيقي واللافت أن مرتكزات ذلك متوافرة في العديد من الوثائق وفي مقدمتها وثيقة الأزهر التي أقرت من قبل كافة القوى السياسية بما في ذلك جماعة الإخوان وحزبها السياسي، المطلوب فقط هو إعادة قراءة هذه الوثيقة ومن ثم مقاربة بنودها والتعاضد لتطبيقها فقد يكون ذلك مدعاة للخروج من دائرة المخاوف التي تتسع يوما بعد يوم كلما اقترب موعد الثلاثين من يونيو.