13 سبتمبر 2025

تسجيل

حدث في المجمع

17 يونيو 2012

في أحد صباحات الحياة المبكرة، كان السكون يلف المجمع التجاري إلا من عمّاله والباعة الذين جاء بهم العمل حيث المحلات التجارية والمقاهي ربما. ومن إحدى الشرفات العلوية التي تكشف أكثر منها أن تُكشف لارتفاعها عن مستوى الأدوار المتبقية حدثت حكايتنا، المأساوية أو اللاإنسانية، أو حتى الموجعة على كل حال. إذ وفدت رحلة مدرسية لطلاب مدرسة من ذوي الاحتياجات الخاصة، الذين هم أبناؤنا وفلذات أكبادنا ولكن لعل الحكمة الإلهية قضت أن يكونوا في خانة غير التي عليها بقية البشر، فصاروا أطفالاً باحتياج خاص واهتمامٍ مكثف تُمليه علينا الإنسانية والعطف البشري والشهامة في الفعل والتصرف. اصطف الطلاب في غير تنظيم ربما، تسيّرهم الطفولة يميناً والسعادة يساراً، مبتهجين بتغيير الجو وكسر الروتين والرتابة، ثم حدث أن تزايد نشاط أحد الطلاب فصار يتحرك في فرح وشغب، حتى قضت على فرحته ضربة قاسية على رأسه، والضارب كان المعلم..!! لم تقضِ تلك الضربة على فرحة الطفل فحسب، بل كانت قد قضت على سكون الصبح، وإنسانية الحياة، وحتى الجمال الذي يلفّ الأطفال كهالةٍ أسبغها الله عليهم، إن شيئاً ما تكسّر في القلوب، وثمة خللا حدث في العقول، أن كيف يحدث ذلك..! أين اختفى الفرح في لحظة، وأين اختبأت أمانة ذلك المعلّم الذي في الواقع يحمل حملاً مضاعفاً عما يحمله معلّم المدارس من غير ذوي الاحتياجات الخاصة، إذ من المفترض أن يحوي قلبه الرقة، وتعامله الصبر، وتصرفاته الابتسامة، ثم تلفّ كل تلك الصفات أمانة عظمى، ما كان يجب عليه انتهاكها بضربةٍ على الرأس التي هي أساساً مضرة للإنسان العاقل، فما بالنا بالإنسان غير العاقل ربما..!! في تلك اللحظة، كان الكون ينظر لذلك المعلم أنه شخص منتقص العقل والذمة، غير مؤهلٍ لأن يكون في ذلك المكان، كانت الإنسانية تصرخ مجروحة بسبب فعل شائنٍ مضاد لها ولمبدئها، فحوَت الطفل بين يديها تكفكف دمعه، وتنظر إلى الضارب بازدراءٍ واحتقار. إن لأطفالنا حقوقا علينا، ثم إنها تتعاظم تلك الحقوق إن كانوا هم يحتاجون رعاية أكثر وعناية أعظم، كأن يكونوا باحتياجٍ خاص، هم لا يملكون أدنى ذنبٍ أو حتى ردة فعل قوية، هم أضعف منا إذ انهم يرون أن الحياة ببشريتها وأيامها وأحداثها أكبر منهم وأقوى منهم وأعنف منهم في كثير من الأحيان، لعلّه الابتلاء الإلهي ذو الحكمة المحتمة هي التي قضت لهم بذلك القضاء، وشاء الرحمن لهم بذلك القدر، ولكن علينا بعد الرضا بحكمه وقدره وقدرته، أن نحفظ أمانة وُضعت بين كفينا، أمانة قد تكون سبباً في دخولنا الجنة. إن مراقبةً مكثفة يجب أن تحدث، كذلك إخضاع طاقم التدريس بتلك المدارس لاختبارات سلوكية وامتحان صبرهم وحلمهم وأناتهم وإنسانيتهم، فإن حدث أن أخفقوا، فلا أظن ذلك هو محل عملهم تماماً كما ظننت حينها أن الضرب ليس حلاً فكيف لو كان أمام العامة وعلى الرأس ولطفلٍ عاجز، والأنكى من المعلم الذي لم يكن رسولاً..!!