30 أكتوبر 2025
تسجيلتمر هذه الأيام مرور 67 عاما على نكبة 1948، دون أن تتحقق القرارات الدولية أو التضمينات الغربية التي وعدت الفلسطينيين بقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة، حسب ما قاله الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن في 2005، وهو الموعد لقيام هذه الدولة، كما لا تزال المواقف الإسرائيلية تجاه المستوطنات، والانسحاب من الأراضي العربية الفلسطينية متوقفا، والممارسات المتطرفة للمستوطنين تجاه الشعب الفلسطيني في القدس وبقية الأراضي العربية الفلسطينية، وكأن الاتفاقات والتضمينات الأمريكية، والوعود بإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة مجرد أوهام ليس لها حظ من التطبيق بعد أكثر من 24 عاما على مؤتمر مدريد للسلام، والأمر اللافت في الأمر، هو سكوت العديد من المسؤولين الأمريكيين والغربيين عموما، بصورة تدعو للغرابة عن هذه الأفعال والممارسات العدوانية والتنصل من الاتفاقيات والتطمينات!!، وإلى الآن ينعتون إسرائيل بالدولة الحضارية والديمقراطية. والاستيطان نشأ في أحضان الدولة الإسرائيلية العبرية العلمانية عبر خمسة قرون أو يزيد، ووفرت لهم الحماية والبرامج ووسائل الإقامة الدائمة. وإذا عدنا إلى المصادر الأصلية للعنصرية الصهيونية، نجد أن المشروع الصهيوني العنصري ولد في رحم الأفكار العرقية التي اجتاحت الساحة الأوروبية، فعندما ظهرت مقولات الإنسان الغربي الأبيض المتفوق عرقياً وعقلياً وحضارياً، ابتدع الصهيونيون مقولة شعب الله المختار، ومثلما للغرب رسالة حضارية تمدينية، فإن الصهيونية ستكون في وطنها القومي الجديد " في فلسطين رسالة حضارية وديمقراطية. وهذا ما ظهر في كتاب هرتزل في كتابه الشهير الذي صدر في 1896 [ الدولة اليهودية ].وقد تحركت الإستراتيجية الصهيونية العنصرية ـ كما يقول د/ محمد عابد الجابري ـ على خمسة محاور رئيسية: ـ نشر الفكرة الصهيونية (= إقامة دولة لليهود في فلسطين) بين يهود العالم أجمع.ـ إقناع الحكام في أوروبا بأهمية وجود دولة يهودية في فلسطين بالنسبة لمشاريعهم التوسعية وطموحاتهم الإمبراطورية، مع استغلال التنافس القائم بينهم في هذا المجال.ـ التغلغل في النظام الاقتصادي والمالي والإمساك بمفاتيحه في أوروبا والعالم.ـ العمل على الهيمنة الثقافية داخل المجتمعات الأوروبية، وفي أوساط اليسار والاشتراكيين خاصة، بوصفهم يمثلون البديل المستقبلي.ـ إقناع الدول الأوروبية المتنافسة على الشرق بأن قيام دولة يهودية في فلسطين سيكون بمثابة المسمار الأول والأساسي في نعش الإمبراطورية العثمانية التي كان العداء لها، هو القاسم المشترك الوحيد الذي يجمع الدول الأوروبية على كلمة واحدة.إن نشاط الحركة الصهيونية على المحور الأول (ربط يهود أوروبا بالمشروع الصهيوني المتمثل في إقامة دولة يهودية في فلسطين) كان له هدفان متكاملان: كسب الأنصار للمشروع الصهيوني بين اليهود أنفسهم، أعني العمل على صهينة يهود أوروبا من جهة، وتجنيد الرأي العام الأوروبي لصالح قضية اليهود بوصفها قضية مضطهدين محرومين، هم مضطهدون في البلدان التي يعيشون فيها، ومحرومون من وطن خاص بهم. وإذا نحن ترجمنا ذلك إلى لغة العصر، لغة الحداثة ومفاهيمها، صارت قضية الصهيونية هي قضية شعب يعاني من اللامساواة، محروم من حقه في أن يكون أمة ذات وطن ودولة. فالقضية إذن قضية عادلة من منظور الحداثة، إذ هي قضية العقلانية (الأمة) والديمقراطية (المساواة). أما السؤال: على حساب من سيكون تحقيق مطامح اليهود "المشروعة" هذه؟ فذلك سؤال ـ كما يقول الجابري ـ لم يكن من المفكر فيه في أوروبا، ذلك لأن فلسطين وما يجاورها هي بالنسبة لأيديولوجيا الحداثة الأوروبية من تلك المناطق التي تسكنها أقوام هم في حاجة إلى نشر "الحضارة" بينهم. وهكذا تجد القضية الصهيونية مكانها في النظام الفكري للحداثة الأوروبية كعنصر من عناصره: إن شعارات المساواة، والحق في الوطن، ونشر الحضارة، وحق اليهود في وطن قومي، عناصر تشكل بنية واحدة تجد مضمونها اللغوي في العبارة التالية: قيام وطن قومي لليهود في فلسطين سيمكنهم من ممارسة حقهم في المساواة وفي أن يكون لهم وطن ودولة مما سيجعل منهم أمة تنشر الحضارة في منطقة مهمة من العالم.إذن فالصهيونية كمقولة فكرية سياسية وحضارية لا تتناقض مع مقولات الحداثة الأوروبية في القرن التاسع عشر، بل بالعكس تتكامل معها.ويقول هرتزل في كتابه [الأرض القديمة الجديدة] "إن اليهود لن يفعلوا شيئاً للأرض القديمة الجديدة (فلسطين) سوى نقلهم المؤسسات المتحضرة إليها". ومثل هذه المزاعم وجدت صداها في الغرب، ليس فقط لاتساقها مع الفكر الذي دأب على التهوين من شأن الآخرين، وإنما أيضاً لأن الغزوة العنصرية الصهيونية جزء ضئيل من الذين أنتجوا هذا الفكر.إن الاستيطان الإسرائيلي المستمر، وإلى الأسابيع الماضية يوضح أن الدولة العبرية ليست جادة في السلام العادل، وأن اللقاءات والمفاوضات في السنوات الماضية مجرد تسويف وتمييع المواقف، للمراهنة على الضعف والتشتت والانقسام الفلسطيني والعربي، لتمرير مشاريعها في التهويد وتكريس الاحتلال الذي تؤكده الوقائع والممارسات على الأرض.والحقيقة أن القيادات الفلسطينية للأسف أسهمت في تراجع القضية الفلسطينية، بسبب الصراعات والخلافات على سلطة وهمية، في ظل الاحتلال وتمدده، والآن برزت قضايا ومشكلات عربية، جعلت القضية العربية الأولى، في الدرجة الأخيرة، والسبب الأكبر في ذلك هي القيادات، وإسرائيل تعيش في أزهى أيامها بسبب التصدع الفلسطيني، والصراعات العربية، وإذا لم يلتئم الفلسطينيون، ويعززوا جهودهم الوحدوية، فإن القضية الفلسطينية في خطر كبير، لأن اليمين الإسرائيلي يراهن على هذا التصدع وهذا الخلاف، ليحكم السيطرة، ويرفض الحقوق العادلة!.اللهم هل بلغت، اللهم فاشهد.