11 سبتمبر 2025

تسجيل

التحديث.. «حصان طروادة» الذي هدم الخلافة

17 أبريل 2024

مازلنا مع تفاصيل عملية هدم الدولة العثمانية حاملة لواء آخر «خلافة» إسلامية، والتي أَعتبرُ أنها زالت فعليا بزوال السلطان عبد الحميد الثاني وليس بإعلان زوالها في 3 مارس 1924. فهي لم تكن مسؤولة فعليا عن أي قرارات بعد عزل السلطان في 27 أبريل 1909، مثلما لم تكن مسؤولة عن كثير من قراراتها وتصرفاتها حتى قبل عزله. وإنما كانت عصابة الدولة العميقة الموجهة من الخارج التي استولت عليها هي المتصرفة في كل شيء بما في ذلك قرار إلغاء الخلافة ذاتها. وقد استعرضنا كيف تحكمت الدول الكبرى في تلك العملية، التي سُمي الجزء الأخير منها «مرحلة الأفول» وامتدت بين عامي 1828 و1908. وستبين التفاصيل أن جريمة الهدم كلها دبرها وحركها أحفاد ابن سبأ من الماسونيين ويهود الدونمة الذين ادعوا الإسلام كذبا بعد قدومهم المشوب بالتآمر من الأندلس إلى أراضي الإمبراطورية العثمانية. وكان سلاحهم الأمضى في تلك المرحلة هو التشويه الفكري لتغيير مفاهيم العقل الجمعي في قلب الخلافة أو لنقل في رأس الخلافة أي في عقر دراها وبالتحديد في اسطنبول. فبعدما نشروا الشعوذة والتخلف لحقب طويلة، جاءوا بما سموه العلاج، «التحديث» الذي سيكون «حصان طروادة» الذي سيهدمون به الخلافة. وهنا لم تأت الضربة القاتلة من الأطراف بل جاءت في القلب، وبقطع الرأس. كانت مكائد الدول الغربية، ومن يحركها، لهدم الخلافة تقوم على تذويبها وتفكيك بنيانها من الداخل ببطء، كما يفعلون مع بعض «أشباه» الدول الآن، قبل أن يوجهوا الضربة القاضية لما تبقى منها في حرب كبرى ستكون هي الحرب العالمية الأولى. فكيف تم ذلك؟ مع تطبيق ما سُمي تنظيمات أو إصلاحات تزايدت أعداد المندسين القادمين من الأندلس في طبقات الدولة، وتكونت منهم وحولهم حركات وجماعات عدة تسترت بعباءة الإصلاح والتحديث، ومنح لهم بعض السلاطين الحماية والتشجيع بأمل المساهمة في تطور الإمبراطورية، غافلين عن أنهم سيكونون عناصر الهدم المتخفين في حصان طروادة (الإصلاح). وحتى عندما سيستفيق السلطان مراد الثالث، استفاقة مفاجئة، عام 1579، إلى خطر اليهود ويقرر الإطاحة برؤوسهم، سيتراجع بشكل غريب، مقابل مبلغ كبير من الذهب تم تقديمه للسلطانة الأم، (اليهود في الإمبراطورية العثمانية ص 31)، خلال فترة ما عرف بـ «سلطنات الحريم». فقد كوّن هؤلاء العديد من الحركات السرية التخريبية التي كان من أخطرها «العثمانيون الجدد» (1856)، والتي سميت لاحقا «الاتحاد والترقي»، وكانت تستلهم فكرها ونظامها من الحركات التي أسسها اليهود والماسون في أوروبا وخاصة فرنسا وإيطاليا. وفي هذا يقول ديفيد فرومكين صاحب كتاب «سلام ما بعده سلام» الذي يفيض تشفيا في سقوط الخلافة (لقد كان الانتساب إلى منظمة سرية من الأنشطة الشائعة في الإمبراطورية العثمانية... ص40)، وزاد نشاطها في عهد السلطان عبد الحميد. ولأن الأمور لا تأتي صدفة ولا فجأة فإن تيار الهدم المتستر بعباءة التحديث، سيستفيد بالطبع من الشيء الذي تآمروا لتحريمه على الأتراك لقرون، ألا وهو الطباعة والصحافة. وسيكون سلاح المتمردين السريين الأمضى هو الصحف التي تمرس أعوانهم فيها لنحو ثلاثة قرون بعدما سُمح لغير المسلمين فقط بإنشاء المطابع أواخر القرن 15، كما تقدم. حينئذ ستظهر التيارات الفكرية المسمومة من خلال تلك الصحف. وسيقود تلك الأفكار العناصر التركية المتغربة التي تعلمت في المدارس الأوروبية إضافة إلى الغربيين الفعليين سواء من المندسين أو «المستشرقين» ومنهم الكاتب الاسكتلندي تشارلز مكفرلين الذي صاغ تعبير تركيا الفتاة، لوصف حركات الشباب «المتغرب» التي نادت بالإصلاح، لكن سفينة إصلاحاتهم كانت دفتها لا تتجه إلا نحو الغرق، حتى أن أول صحف تهتم بالشأن العثماني الداخلي أسسها فرنسيون في السنوات الأخيرة من القرن 18 ولترويج الدعاية الأوروبية. ثم جاءت أول صحيفة رسمية كاملة باللغة التركية عام 1831 وكان عنوانها «تقويم وقايعي»، بحسب دراسة «التطور التاريخي للصحافة التركية» لمحمد الرميزان. ومرة أخرى نجد في كتابات ديفيد فرومكين عن «نهاية الدولة العثمانية وتشكيل الشرق الأوسط الجديد» اعترافات عدة بأن اليهود والماسون هم من وقفوا وراء هدم الدولة العثمانية كونها كانت تمثل الخلافة الإسلامية. وهو يُضمّن كتابه «سلام ما بعده سلام» رسائل من جيرارد لاوثر السفير الإنجليزي لدى اسطنبول آنذاك يصف فيها جمعية الاتحاد والترقي بأنها «اللجنة اليهودية للاتحاد والتقدم» وبأنها تمثل مؤامرة يهودية ماسونية دولية لاتينية في إشارة إلى فرنسا التي كانت الجمعية تستوحي شعاراتها من ثورتها التي تؤكد مصادر تاريخية، منها كتاب «كنيس الشيطان..التاريخ السرى لسيطرة اليهود على العالم»، أن من صاغوها هم كتاب من يهود أوروبا، وأنهم هم أيضا من كانوا وراء ثورة روسيا البلشفية. هنا وبتتبع الخط التاريخي نرى أن الذين كانوا وراء، تشويه النصرانية، والإسلام على السواء، وكانوا وراء تمويل الحملات الصليبية، كما سبق ذكره، نضجت خططهم بداية القرن العشرين لتصبح حربا عالمية على الإسلام فجاؤوا يمتطون ظهور الأوروبيين ليهدموا الخلافة في الحرب العالمية الأولى، بعدما أشعلوا «ثورة قومية» انتهت بانقلاب ضد السلطان عبدالحميد، مهدوا له بإفساد العقل الجمعي العربي المسلم، لندخل منذئذ عصر القوميات والتشرذم والسباق نحو الهاوية.