12 سبتمبر 2025

تسجيل

الإكوادور.. والبحث عن العرب (3)

17 أبريل 2016

لم تكن الإكوادور، هذه الدولة اللاتينية القابعة في قارة أمريكا الجنوبية، استثناء من الفساد والانقلابات، فقد كانت مرتعا للنهب الأمريكي المنظم، مثل باقي دول القارة، وكانت جزءا من شرايين أمريكا اللاتينية المفتوحة كما أطلق عليها الكاتب الأوروجوياني الشهير، إدواردو غاليانو، في كتابه "الشرايين المفتوحة لأمريكا اللاتينية"، وهو الكتاب الذي استشهد به الرئيس البوليفي "إيفو موراليس" في خطابه الافتتاحي لاجتماع قمة زعماء أمريكا اللاتينية في مدينة كوتشابامبا ببوليفيا في ديسمبر 2006، عندما دعا زعماء القارة إلى القسم جميعا على إغلاق "الشرايين المفتوحة لأمريكا اللاتينية"، وبعد ذلك قام الرئيس الفنزويلي الراحل "هوغو شافيز" بإهداء نسخة من الكتاب إلى الرئيس الأمريكي باراك أوباما عام 2009 خلال اجتماع مع رؤساء دول أمريكا الجنوبية، لأنه يعبر عن الحالة التي صنعتها الولايات المتحدة في أمريكا الجنوبية.لقد أفقرت الولايات المتحدة دول أمريكا الجنوبية، ومنها الإكوادور، ودفعتها نحو الفقر والبؤس والحرمان، ومارست استعمارا غير مباشر عن طريق النخب الفاسدة ورجال الأعمال والإعلام المرتبطين بواشنطن، وكانت تصنع القهر في كل القارة، واستخدمت المؤسسات المالية التي تهيمن عليها من أجل نهب كل ما يمكن نهبه، حتى لو أدى ذلك إلى موت سكان قارة أمريكا الجنوبية، وأغرقت هذه الدول في الديون وجعلت اقتصاداتها تابعة لمؤسساتها وشركاتها ومصارفها، وقد أبدع "غاليانو" بكتابة التاريخ من وجهة الضحية والمقهور، وهي وجهة النظر التي يتجاهلها المنتصرون الذين يكتبون تاريخهم المزيف على حساب تاريخ المقهورين الحقيقي، وقدم نصا قال فيه إنه يقدم "تاريخا للنهب والاستنزاف وكيف يظهر الغزاة في سفنهم الشراعية وعلى مقربة منهم التكنوقراطيون في طائراتهم النفاثة، ومشاة البحرية ومفوضو الملكة وبعثات صندوق النقد الدولي، وتجار العبيد ومديرو جنرال موتورز".لم تكن الإكوادور بعيدة عن هذه الأجواء، فقد غرقت في البؤس وغاب الاستقرار وتعمقت الجراحات الاقتصادية، وصارت رهينة للدائنين الذين يمصون موارد الدولة ومعها دماء الناس، واتسعت الفوارق الاجتماعية بين قلة فاسدة تملك كل شيء، وأغلبية فقيرة لا تملك شيئا، وانتشرت الجريمة وعم الاحتكار، وتجارة المخدرات.في هذه الظروف الصعبة واللامعقولة انتخب الإكوادوريون اليساري رافائيل كوريا رئيسا، فكان عليه أن يوقف نزيف الشرايين المفتوحة، والنهب المنظم، وأن يردم الهوة بين الأغنياء والفقراء، وأن يعالج أوضاع التعليم والصحة والبنية التحتية، وأن يلجم نزيف "الدين العام"، فتصدى للشركات الأمريكية والأوروبية بسرعة وقلب معادلة الربح لتكون في صالح الشعب أولا، ورفع الحد الأدنى للأجور، ومنع الاحتكار، وضرب الجريمة المنظمة، وسيطر على الدين العام، واعتمد سياسة تكافؤ الفرص، وزاد عدد المدارس والمستشفيات ورفع الاستثمار في التعليم العالي من 0.8% إلى 1.8% من الناتج الإجمالي المحلي، وحرص على توفير الكهرباء للسكان وشرع ببناء 9 محطات جديدة لتوليد الكهرباء، انتهى اثنتان منها بالفعل، وحقق رقما قياسيا بتوليد الكهرباء من المياه، حيث وصلت النسبة إلى 93% وهي الأكبر في العالم، وشرع في برنامج ضخم لإعادة الأموال المنهوبة للدولة، ما أدخله في صراع مع الفاسدين وشركات النهب، وشرع بتوزيع الثروة على الجميع حسب الإمكانات المتاحة، وتوفير وظائف للمعاقين وأعاد النظر بالأعباء الضريبية لصالح الفقراء، وهو ما استفز أذناب أمريكا لحشد قواهم من أجل إحباط برامجه الإصلاحية، وعندما فشلوا في ذلك حاولوا اغتياله وتعرض لمحاولة انقلابية عام 2011 أفشلها الشعب الذي انتصر على بنادق العسكر، ليكمل مسيرته في الحكم والإصلاح ونقل الإكوادور من مرحلة الحرمان إلى مرحلة المكاسب الاجتماعية والاقتصادية لكل الشعب بلا استثناء.