16 سبتمبر 2025

تسجيل

ليس أبيض أو أسود!

17 أبريل 2015

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); نقترف خطأ كبيرا بل لنقل خطيئة لا تغتفر إن لم نستبطن مرة وللأبد بأن السياسة الدولية تستند إلى المصالح وليس إلى المبادئ أو الأخلاق، والحق أن مواقف الدول الكبرى وإن تم تغليفها أحيانا بلغة الأخلاق والمبادئ إنما تعبر في جوهرها عن المصالح المركبة لهذه الدول في الإقليم، بمعنى آخر لا يمكن أن تقدم الأمور بوصفها أبيض أو أسود، وربما ينطبق هذا الوصف على مقاربات الولايات المتحدة لقضايا الإقليم الشائكة والمتضاربة.الراهن أن كثيرا من التحليلات التي نشرت في صحف شرق أوسطية وعربية جنحت إلى تبسيط ما يجري بين الولايات المتحدة وإيران وافترضت خطأ بأن واشنطن بصدد تغيير شبكة تحالفاتها والتوصل إلى صفقة مع إيران أبعد من الملف النووي على حساب العرب، وفي الوقت ذاته ساد رأي غير صحيح أيضاً مفاده أن إيران تمتلك من الإمكانات ما يسمح لها إعادة تشكيل المنطقة برمتها وفقا لمصالحها الجيوسياسية وكأن الإقليم يخلو من التوازنات الإستراتيجية أو الدول التي يمكنها لعب دور الموازن.وهذا يقودني إلى النقطة الأساسية في هذا المقال وهي ضرورة فهم الصورة بكل تعقيداتها حتى يكون اشتباكنا مع العالم الخارجي مستندا إلى فهم للمواقف المركبة للآخرين، وحتى نفهم مواقف الولايات المتحدة علينا أن نستفيق من غفوتنا ونتخلص من تسليمنا بأن الولايات المتحدة تدافع عن حلفائها أو تتآمر عليهم، فالولايات المتحدة هي الدولة العظمى الوحيدة التي لها مصالح كونية لا يشكل إقليم الشرق الأوسط فيها إلا جزءا من منظومة هذه المصالح المتشابكة والمعقدة. والحال أن واشنطن تقارب المسائل الإقليمية في الشرق الأوسط بشبكة من التحالفات الإستراتيجية والتكتيكية في آن واحد ولا ترى بذلك تناقضا وتأمل أن يفهمها حلفاؤها قبل خصومها.وبالتالي فإن التوصل إلى اتفاق إطار بين إيران والدول الست الكبرى لا يعني أن هناك اتفاقا نهائيا، فهناك احتمال بأن لا تتوصل الأطراف إلى اتفاق نهائي نظرا للتباعد في تفسير كل طرف لاتفاق الإطار ونظرا للمعارضة الداخلية في الولايات المتحدة وفي إيران لمثل هذا الاتفاق. كما أنه لا يعني أن الولايات المتحدة سلمت الإقليم على طبق من فضة لإيران لسببين رئيسيين هما: قدرة الدول المتحالفة مع واشنطن على التصرف بشكل مستقل كما يحدث في عاصفة الحزم، ولأن هناك تباعدا كبيرا بين طهران وواشنطن حول هوية وركائز الاستقرار الإقليمي، عداك بطبيعة الحال عن الموقف الإسرائيلي المعارض لأي صفقة مع إيران تسمح للأخيرة الاستفادة من رفع العقوبات لتمكين نفسها عسكريا دون التنازل عن حقها في التخصيب.واللافت أنه يصعب أن نصف علاقة طهران بواشنطن وكأنها علاقة عداء دائم، ففي العراق على سبيل المثال نشير إلى أن هنالك تفاهما غير مكتوب بين طهران وواشنطن تستفيد منه طهران في تغيير ديناميكيات السياسة العراقية لصالحها، وقد شاهدنا التعاون بين أمريكا وإيران في الحرب على داعش والتنسيق غير المباشر في معركة تكريت التي لم تتمكن إيران والقوى العراقية التابعة لها من حسمها لولا تدخل سلاح الجو الأمريكي في الأيام الأخيرة من المعركة. غير أن هذه العلاقة تأخذ شكلا آخر من التنافر في سوريا، ففي وقت تعمق فيه إيران من مساندتها للأسد نجد الولايات المتحدة تدعم خيار التغيير مع أنها حتى هذه اللحظة لم تتخذ خطوات عملية لإحداث التغيير خوفا من البديل المتطرف. وتستفيد إيران من غياب البديل المقبول دوليا الذي يمكن أن تدعمه الولايات المتحدة وبالتالي تحاول أن تغير عنوان الصراع في سوريا ليأخذ شكل الحرب على الإرهاب بدلا من ثورة شعب سوري لنيل الحرية والاستقلال والتخلص من نظام أقلية طائفي وحشي وغير ديمقراطي. بمعنى آخر، فالتفاهم الإيراني الأمريكي في العراق لا ينسحب على الموقف من سوريا واليمن.وتجدر الإشارة هنا إلى التفسيرات المختلفة لاتفاق الإطار الذي قدمته إدارة أوباما وإيران، فإدارة أوباما اعتبرت ذلك إنجازا كبيرا لأنها توصلت إلى اتفاق ينسجم مع إستراتيجية المنع(Prevention Strategy) التي تعهد بها أوباما منذ عام ٢٠٠٨ في حين اعتبرت إيران بأن في الاتفاق ما يعترف بحقها في امتلاك القوة النووية السلمية وحق التخصيب داخل إيران وإن كان بنسب ضئيلة لا تجعل منها قوة نووية، فأمريكا وإيران ابتعدتا عن التفكير الصفري وتمكنتا من إيجاد مواطن للتعاون مع الإبقاء على الخلافات في الملفات الأخرى وهو ما يعني أن صداما بين الدولتين هو أمر لا يمكن استبعاده في المستقبل المنظور.ربما استشراء العنف في سوريا واليمن والعراق هو الذي دفع الدول العربية السنية انتظار الولايات المتحدة للوقوف بجانب حلفائها، غير أن ذلك لم يحدث بالشكل المطلوب نظرا لمقاربات الولايات المتحدة الشائكة والمركبة للإقليم برمته. وهنا مطلوب استفاقة عربية تطرح جانبا الثنائيات القائمة على الأسود والأبيض وتأخذ بعين الاعتبار حقيقة أن الحلفاء لا يتفقون على كل شيء! لذلك جاء التحالف العربي وعاصفة الحزم ليقلب عددا من المفاهيم الأمر الذي من شأنه أن يجعل من العرب لاعبا فاعلا بدلا من الاكتفاء بدور المتلقي والمنتظر للآخرين لحل ما يطرأ من مشاكل. باختصار، فهم الطريقة التي تتحرك بها الولايات المتحدة واستعداداتها للابتعاد أو الاقتراب من حلفائها حسب ما تقتضيه المصلحة ينبغي أن يساعد الجانب العربي على رسم استراتيجياتها التي بدورها تقترب وتبتعد عن واشنطن وغيرها وفقا لمصالح الدول العربية.