17 سبتمبر 2025
تسجيلإذا كانت مصر (هبة النيل) كما وصفها المؤرخ الأغريقي العظيم هيرودوتس، فإن قطر ودول الخليج الأخرى هبة البحر، فالبحر هذا الساحر الممتد بموجه الصاخب ورماله الذهبية ونوارسه المحلقة فوق زرقته اللامتناهية، والذي له الفضل في صمود أهل الخليج واستمرارهم في البقاء على أطراف الصحراء الملتهبة، فالبحر مصدر الرزق والخيرالوفير الذي ناجاه الناس بالمواويل والأهازيج وبثوه شكواهم وأسروا له بأحزانهم. وللبحر حيث وجد الإنسان ألف حكاية وحكاية، وفي الأدب العربي والعالمي روائع من القصص والروايات بطلها البحر، فقصة الحب المشبعة برطوبة البحر وحرارة الشمس في أزقة الكويت القديمة لوسمية التي تخرج من البحر للكاتبة ليلى العثمان، ثم لتعود وسمية مرة أخرى إلى البحر، فمن البحر تبدأ الحكاية وإليه تنتهي. والروائي العربي الكبير حنا مينا كان البحر محوراً لمعظم رواياته، فرواية الياطر، ونهاية رجل شجاع، والشراع والعاصفة، وحكاية بحار، وغيرها من روايات كان البحر بطلها الأول، ويقول مينا عن البحر: إن البحر كان دائما مصدر إلهامي، حتى أن معظم أعمالي مبللة بمياه موجه الصاخب، فلحمي سمك البحر، ودمي ماؤه المالح، صراعي مع القروش كان صراع حياة، أما العواصف فقد نُقشت وشماً على جلدي، وإذا نادوا: يا بحر أجبت أنا البحر، فيه وُلدت، وفيه أرغب أن أموت. ويضيف حنا مينا: البحار لا يصطاد من المقلاة، ولا يقعد على الشاطئ بانتظار سمكة سردين تافهة، البحار أكبر من ذلك بكثير. كما يحتفي الروائي المغربي محمد زفزاف في روايته (الأفعى والبحر) بعالم البحر، فيصوره كعالم رائع، حيث السكون والحرية والحبّ الأوّلي والتناغم التام، وحيث موطن الفطرة والبدائية الذي تتحقَّق فيه الرغبات والأمنيات. ويبدو البحر موضع الصراع التراجيدي العنيف بين حوت وإنسان في رواية (موبي ديك) للروائي الأمريكي هيرمان ملفيل وتتخذ الرواية المكتوبة في منتصف القرن التاسع عشر من هذا الصراع الضاري وسيلة لتأمل الوضع البشري وعلاقته بالوجود، كما تحوله إلى كيان رمزي معقد. أما رائعة (الشيخ والبحر) لأرنست همينغواي، والتي نال بها جائزة نوبل للآداب سنة 1954 وتعد أعظم رواية عن البحر، وصورت الصراع بين الإنسان وقوى الطبيعة، والذي جسده بطلها المسن (سانتياغو) مع أسماك القرش المتوحشة والسمكة الكبيرة الجبارة. وتدور أحداث الرواية عن خروج الصياد سنتياغو إلى البحر وحيداً، وبعد أن قضى أربعة وثمانين يوماً استعصى عليه الصيد فيها، قرر أن يتوغَّل بعيداً في البحر، متعدِّياً حدود المألوف، ولسانتياغو رفيق صغير يرغب في مصاحبته، لكن أهله يمنعونه، وينقلونه على ظهر مركب آخر أوفر حظّاً. وتتميز الرواية بمعرفة واسعة بعالم البحر، كما تظهر قوة الإنسان وتصميمه وعزمه على نيل أهدافه، وكما قال إرنست هيمنغواي (الإنسان يمكن هزيمته، لكن لا يمكن قهره).