16 سبتمبر 2025

تسجيل

مرة أخرى.. الدستور أولا أم الانتخابات

17 أبريل 2012

عاد الجدل مرة أخرى بين القوى الفاعلة في المشهد السياسي المصري حول قضية الدستور أولا أم الانتخابات، التي أشعلت الساحة السياسية بعد تنحي الرئيس المخلوع، حينما انقسمت تلك القوى إلى فصيلين أحدهما يدعو إلى العمل على وضع الدستور أولا قبل إجراء الانتخابات سواء البرلمانية أو الرئاسية، والآخر دعا إلى البدء بالانتخابات البرلمانية على أن يقوم أعضاء مجلسي الشعب والشورى باختيار أعضاء اللجنة التأسيسية المكلفة بوضع الدستور، ثم يتم بعد ذلك أو بالتوازي مع ذلك إجراء الانتخابات الرئاسية. ورغم إجراء الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي تضمنت رأي الفصيل الثاني وموافقة الشعب المصري عليه، إلا أن ذلك لم يوقف هذا الجدل الدائر منذ ذلك الوقت، وإن كانت حدته تراجعت كثيرا بعد الإصرار على المضي قدما في هذا الطريق وإجراء الانتخابات البرلمانية. لكن هذا الجدل عاد ليتصاعد مرة أخرى مع البدء في تشكيل اللجنة التأسيسية، خاصة مع إصرار البرلمان على أن يتم تمثيله بنصف أعضاء اللجنة، وهو ما رفضته قوى التيار العلماني بشقيه الليبرالي واليساري، فضلا عن المؤسسة العسكرية، وذلك خوفا من سيطرة التيار الإسلامي الذي يسيطر على الأغلبية في البرلمان، على اللجنة وبالتالي أخذها نحو وضع دستور يعبر عن اتجاه واحد وليس عن كل أطياف المجتمع كما يقول هؤلاء. ورغم أن التشكيل النهائي للجنة لم يأت كما تصور هؤلاء، حيث لم يحصل التيار الإسلامي سوى على %30 من أعضائها برغم أن نسبته في البرلمان تصل إلى %80، إلا أن القوى الرافضة لوجود أعضاء البرلمان فيها أصروا على عدم شرعية التشكيل وطالبوا بإعادته مرة أخرى بحيث يكون جميع أعضاء اللجنة من خارج البرلمان ووفقا لقواعد جديدة تبعد سيطرة الأغلبية البرلمانية عنها، مستندين إلى أن البرلمان يمثل أحد سلطات الدولة وهو مؤسسة مخلوقة ولا يحق لها أن تخلق الدستور الذي هو أصل كل السلطات ويخلقها جميعها. ورغم أن هناك دراسات تؤكد أن تجارب وضع الدساتير في العديد من دول العالم تمت من خلال البرلمان، إلا أن إصرار قوى الأقلية على رأيها وقيامها بالانسحاب من اللجنة وضغط المؤسسة العسكرية على بعض المؤسسات الأخرى المهمة للانسحاب منها مثل الأزهر والكنيسة وبعض النقابات، دفع بمحكمة القضاء الإداري إلى إبطال تشكيل اللجنة وبالتالي العودة إلى المربع الأول مرة أخرى. حيث بدأ الجدل يعود إلى قضية "الدستور أولا أم الانتخابات" مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، وذلك في ظل إصرار قوى الأقلية والمؤسسة العسكرية على ضرورة الانتهاء من تشكيل اللجنة التأسيسية وفق القواعد الجديدة ووضع الدستور ثم استفتاء الشعب عليه قبل إجراء الانتخابات حتى لا يتم انتخاب رئيس غير معلوم الصلاحيات، وهو ما سوف يؤدي إلى اندلاع أزمة كبيرة كما أعلن المشير طنطاوي خلال لقائه بالأحزاب والقوى السياسية من أجل إيجاد مخرج لتلك الأزمة. لكن لم يوضح المشير طبيعة هذه الأزمة، خاصة أن هناك إعلانا دستوريا يوضح سلطات رئيس الجمهورية وفقا لما كان معمولا به في دستور 1971 الذي تم تعطيل العمل به بعد الثورة. والحقيقة أن ما تخاف منه قوى الأقلية وكذلك المؤسسة العسكرية، ليس وقوع أزمة نتيجة عدم تحديد سلطات رئيس الجمهورية، ولكن الخوف من أنه إذا استمرت أزمة تشكيل اللجنة التأسيسية حتى إجراء الانتخابات الرئاسية ووصول رئيس جديد يتسلم سلطاته من المجلس العسكري، فإن ذلك يعني قيام هذا الرئيس الجديد بتشكيل اللجنة التأسيسية وفقا لإرادته الكاملة، وذلك تنفيذا للشق الخاص بوضع الدستور في الإعلان الدستوري الذي يشير إلى أنه في حال فشل البرلمان في تشكيل اللجنة خلال ستة أشهر فإن رئيس الجمهورية يحق له تشكيل هذه اللجنة ووضع الدستور واستفتاء الشعب عليه. وفي ظل الحقائق التي تشير إلى أن الرئيس الجديد سيكون من التيار الإسلامي في حال لم يتم تزوير الانتخابات، فإن الإسلاميين ستكون لهم السيطرة الكاملة على تشكيل اللجنة ووضع الدستور بنسبة مائة في المائة وليس %30 كما كان في المرة الأولى التي تم تشكيل اللجنة فيها، وهو ما يعني أن القوى الأخرى خاصة المؤسسة العسكرية التي ترغب بوضع متميز لها في الدستور الجديد ستكون بعيدة عن عملية وضع الدستور.. وهو الأمر الذي لا تريده وسوف تتخذ كل الإجراءات لمنعه حتى لو أدى الأمر إلى تأجيل الانتخابات الرئاسية.