17 سبتمبر 2025
تسجيللحظة نادرة تعيشها مصر هذه الأيام.. لم تشهد لها مثيلا في تاريخها القديم والجديد على السواء.. لحظة أصبح الحاكم فيها محكوما والمحكوم حاكما.. لحظة أصبح فيها القاضي متهما والمتهم قاضيا.. لحظة أصبح فيها الجلاد مجلودا والمجلود جلادا.. لحظة عاد فيها الحق إلى أصحابه من مغتصبيه.. وأصبح القانون هو حاكم هذا الوطن بعد غياب استمر لعقود طويلة.. ذاق أهله فيها كل صنوف الذل والهوان. عاش المصريون يوم الأربعاء الماضي تلك اللحظة النادرة التي سمعوا ورأوا فيها بداية التحقيقات مع رئيس جلاديهم وأسرته.. المخلوع حسني مبارك.. ثم قرار حبسه خمسة عشر يوما على ذمة التحقيقات في بعض الجرائم التي ارتكبها ضد هذا الشعب العظيم طوال سنين حكمه التي زادت على الثلاثين عاما. سيقف التاريخ كثيرا أمام هذه اللحظة التي ستكون مفصلية في بنية الدولة المصرية الجديدة التي يتم تشكيلها الآن في شتى المجالات.. خاصة مجال العدل والقانون.. حيث أصبح الجميع سواسية أمامه.. بعد أن جاءت البداية من محاكمة من أهانه وأقصاه عن صفحة هذا الوطن. دولة الظلم ساعة ودولة العدل إلى قيام الساعة.. وفقا لهذه الحكمة يسعى المصريون إلى بناء دولة العدل والقانون التي ستسود إلى قيام الساعة بعد أن قضوا على دولة الظلم والفساد والاستبداد.. لتكون نموذجا مشرفا يسعى الجميع إلى السير على نهجه.. كما كانت ثورتهم المباركة في الخامس والعشرين من يناير.. تلك الثورة التي رفضت مبدأ الانتقام والتشفي كما فعلت الكثير من الثورات التي شهدتها دول أخرى حيث سارت الدماء أنهارا.. وخسرت أهم مبادئ البناء الجديد وهو سيادة القانون على الجميع حتى أعداء الثورة.. نعم لقد نجحت الثورة المصرية في ترسيخ هذا المبدأ حينما تعاملت مع أعدائها وفقا للقانون حيث لم تطلب سوى القصاص العادل منهم دون التغول في تطبيق قوانين استثنائية أو عقد محاكم عسكرية لمحاكمتهم.. وقد حدث ذلك حتى في أحلك أيام الثورة وهي لم تزل مجرد جنين لمّا ينمو بعد، حينما كان شباب الثورة يرفضون الرد بالمثل على جرائم النظام التي كان يرتكبها ضدهم، خاصة جرائم القتل التي قام بها بلطجية النظام.. حيث كانوا يقومون بالقبض على هؤلاء البلطجية ثم تسليمهم للسلطات المختصة لاتخاذ الإجراءات القانونية ضدهم. وبعد نجاح الثورة لم يتغير الأمر.. فقد طالب الشعب الثائر بمحاكمة رموز النظام السابق وفقا للقانون على جرائمهم.. وهو ما حدث بالفعل مع كل هؤلاء الرموز واحدا بعد الآخر.. حتى انتهى الأمر برأس النظام نفسه الرئيس المخلوع حسني مبارك.. الذي يحتمي الآن بالقانون من أجل تأخير عمليات التحقيق معه مستخدما وضعه الصحي كوسيلة في هذا الصدد. فضلا عن وسائل أخرى منها استدرار العطف والشفقة عبر البكاء لمحققيه من أجل أن يمنحوه وضعا استثنائيا يجعله بعيدا عن السجن وهو ما قوبل بالرفض التام.. فما فعله هو وبقية رموز نظامه في حق هذا الوطن يجعل من المستحيل أن يجد معه تعاطفا من أحد. لن نستطيع أن نعدد الجرائم التي ارتكبها هذا المجرم وباقي أركان حكمه في حق الوطن وأبنائه.. لأنها شملت كل شيء ولم تستثن أحدا.. بدءا من مجال التعليم والثقافة التي دمرهما فتحولت مصر في عهده من دولة الريادة التعليمية والثقافية، حيث يؤمها أبناء العالمين العربي والإسلامي للنهل من معينها، إلى دولة متخلفة بكل المقاييس العلمية والثقافية.. وفي المجال الاجتماعي شهدت البلاد انهيارا لم يحدث مثله قط في مجتمع من المجتمعات.. أما في مجال الصحة فحدث ولا حرج عن الأعداد الهائلة من الأمراض التي استوطنت هذا الشعب.. وهي أمراض تم استيرادها عمدا من أجل قتل هذا الشعب وتحويله إلى مجموعة من العواجيز رغم أنهم ما زالوا في ربيع العمر. أما في المجال السياسي.. قد ارتكب هذا النظام في حق الوطن جرائم لم يجرؤ حتى أعداء مصر على ارتكابها.. حيث تحولت البلاد في عهده داخليا إلى سجن كبير لأبنائها، وخارجيا إلى مجرد قزم تابع لأسياده في واشنطن وتل أبيب. وذلك كله من أجل استمراره قابضا على صدور المصريين.. مستنفدا لثرواتهم التي راح ينهبها ويهديها لأصدقائه في الداخل والخارج بلا خوف أو وجل من قانون أو يوم للحساب.. حتى جاء يوم الحساب الذي لم يكن يتسع سوى للحساب. وفي يوم الحساب.. ليس هناك عطف أو شفقة.. أو حتى دعاء.. فأصحاب الأيدي المرفوعة الآن.. يصرخ أصحابها.. ادعوا على مبارك فإنه الآن يسأل.