14 سبتمبر 2025

تسجيل

"فوكوشيما" وأمن الطاقة

17 أبريل 2011

أعادت كارثة اليابان النووية والناجمة عن تسونامي الزلزال المدمر أزمة الطاقة إلى المربع الأول وفرضت على بلدان العالم إعادة حساباتها السابقة فيما يتعلق بأمن الطاقة والتي تعتبر المحرك الأول لعجلة التنمية. وبعد أن أقدمت العديد من الدول، وبالأخص في أميركا الشمالية وأوروبا على اتخاذ إجراءات عملية للابتعاد عن مصادر الطاقة الهايدروكربونية والتوجه إلى البدائل الأخرى وعلى رأسها الطاقة النووية، فإن كارثة مفاعل فوكوشيما في اليابان وما نجم عنها من تلوث إشعاعي خطير رغم احتياطات السلامة الصارمة، أدى إلى اتخاذ خطوات عملية للتخلص من المفاعلات النووية، حيث أعلنت ألمانيا بصورة فورية تعليق العمل في سبعة مفاعلات وأعربت عن نيتها لإغلاق 17 مفاعلا نوويا مع نهاية العقد الحالي. وعلى مستوى الاتحاد الأوروبي يتم العمل من أجل التخلص التدريجي من 143 مفاعلا نوويا، على أن تخضع هذه المفاعلات لاختبارات تحمل في الوقت الحاضر، فأوروبا لا يمكنها تحمل كارثة نووية أخرى ناجمة عن زلازل أو فياضانات أو انقطاع في الطاقة الكهربائية، وذلك بعد أن عانت على مدى أكثر من ربع قرن من كارثة تشرنوبل في عام 1986. ومع أن مثل هذا التوجه سوف يزيد الاعتماد على النفط والغاز، إلا أنه في الوقت نفسه سوف يفتح آفاقا واسعة لتطوير مصادر الطاقة البديلة والنظيفة، حيث عقد في الأسبوع الماضي المؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة المتجددة "إيرينا" في العاصمة أبو ظبي. والحال، فإن إعادة النظر في امن الطاقة من النواحي الفنية سوف تتفاوت بين بلدا وآخر، فالبلدان الأوروبية سوف تركز على محاولات تطوير طاقة الرياح وتكثيف البحوث لتطوير مصادر الطاقة الشمسية، وذلك للحد من زيادة اعتمادها على الغاز المستورد من روسيا وشمال إفريقيا. أما في الأميركيتين وآسيا وإفريقيا، فانه بالإضافة إلى طاقة الرياح فسوف تحتل الطاقة الناجمة عن مصبات الأنهار وكذلك الطاقة الشمسية مكانة بارزة في استراتيجيات الطاقة هناك، إلا أن ذلك لا ينفي التوقعات الخاصة بزيادة اعتمادها، وبالأخص البلدان الآسيوية على وارداتها من النفط والغاز الطبيعي ومن منطقة الخليج العربي تحديدا. ويمثل هذا التحول أهمية خاصة للبلدان العربية، وبالأخص المنتجة للنفط، إذ إن مثل هذه التوجهات سوف تزيد من الطلب العالمي على المصادر الهايدروكربونية، مما يتطلب من بلدان الخليج زيادة إنتاجها من النفط لتلبية الطلب المتنامي من جهة ولدعم استقرار أسواق النفط العالمية من جهة أخرى، علما بأن ذلك سيساهم في سرعة تراجع الاحتياطيات وتدني إنتاجية الحقول على المديين المتوسط والطويل. وفي الوقت نفسه، فإن كارثة فوكوشيما لا بد أن تؤدي إلى إعادة ترتيب موازين الطاقة العربية والخليجية، مثلما أدت إلى إعادة ترتيب مماثلة في أميركا وأوروبا، إذ ربما تكون إعادة الترتيب الخليجية أسهل من مثيلتها الغربية، وذلك بفضل وجود احتياطيات هائلة من النفط والغاز في دول مجلس التعاون الخليجي أولا وبفضل توافر مصادر الطاقة الشمسية على مدار العام ثانيا. وضمن عملية إعادة الترتيب الخليجية يمكن التركيز على إنتاج الطاقة الشمسية بصورة خاصة وإعادة ضخ جزء من الاستثمارات المخصصة للطاقة النووية لتوظيفها لتطوير مصادر الطاقة الشمسية النظيفة والآمنة والمتجددة. وإذا كانت كارثة مفاعل فوكوشيما تقع على امتداد محيط مترامي الأطراف، مما خفف من حدة التلوث، فإن منطقة الخليج تعتبر منطقة مغلقة وتعتمد بنسبة كبيرة على المياه المحلاة، كما أن المدن الخليجية قريبة من بعضها البعض، مما يثير الكثير من المخاوف بسبب عدم القدرة على محاصرة التلوث، فمفاعل بوشهر الإيراني يقع على خط الزلازل رغم ندرتها في منطقة الخليج، علما بأن إجراءات الأمن والسلامة فيه، هي محل تساؤلات كثيرة. لذلك، فإن استخدام طرفي المعادلة بصورة صحيحة، أي عائدات النفط الهائلة المتوقعة خلال السنوات القادمة وتوظيفها لإيجاد مصادر طاقة نظيفة، وبالأخص الطاقة الشمسية سيشكل مكسبا اقتصاديا وأمنيا وإستراتيجيا كبيرا للبلدان المطلة على الخليج العربي، إذ إن ذلك التوجه سيساهم في استمرار دول الخليج، كمزود رئيس للطاقة من خلال تطوير صادراتها من الطاقة الشمسية، وبالتالي المحافظة على دورها المهم في سوق الطاقة العالمي في فترة ما بعد النفط، في الوقت الذي لا توفر فيه الطاقة النووية مثل هذا البديل.