29 أكتوبر 2025

تسجيل

معركة ناڤاس دي تولوزا

17 مارس 2021

تعرف في المصادر الاسلامية بمعركة (العقاب)، وكان قائد المسلمين فيها هو الناصر لدين الله الموحّدي. فمن الرجل؟ هو الناصر لدين الله أبو عبدالله محمد بن أبي يوسف يعقوب المنصور الموحدي (نسبة الى دولة الموحدين)، رابع حكام دولة الموحدين التي قامت على أنقاض دولة المرابطين العظيمة، وورث الناصر لدين الله عرش دولة الموحدين، وهي في أوج عزها وعظمتها، كما كان هو في أطيب سني عمره فلم يتجاوز السبعة عشر ربيعا حين استلم مقاليد الحكم. جاء في روض القرطاس: "انه كان حسن القامة، نحيفاً، أبيض، أشهل العينين (يشوب سوادها زرقة)، كثيف الحاجبين، طويل الأهداب، كبير اللحية، وكانت نظراته تشع ذكاءً وتفكيرا" انتهى الاقتباس. وبرغم كون هذه الامة المعطاءة دائما تفاجئ التاريخ بقادة عظام يملؤون الدنيا نجاحا وعزا وتمكينا لدين الله، الا ان المتتبع لسيرة الناصرالموحّدي هذا لا يجد فيها الا عنجهية شديدة وغباء صاعقا، يستحيل ان يتبعه نصر أو تمكين، مع احترامي لما جاء في الاقتباس أعلاه، فتعال معي نستعرض بإيجاز بعضا من سيرة هذا الرجل التي لن تتكرر في دولة ما الا وسيحصل لها نفس ما حصل للدولة الموحّدية، فالتاريخ يعيد نفسه ولا يرحم ولا يجامل. كان أول عيوب الناصر اتخاذه بطانة السوء، فكان يوكل شؤون الدولة الكبيرة الى مساعدين أغبياء عاجزين ويعطيهم كامل ثقته، ثم انه كان مستبدا برأيه فلا يسمع مشورة أحد غير وزرائه الحمقى خصوصا (أبو سعيد بن جامع) لا أسعده الله، والذي شكك الكثيرون في سوء طويته، حتى انك تظن انه كان يعمل لصالح أعداء الناصر من شدة غبائه هو الآخر. ابتدأ الناصر حكمه بقمع الثورات التي قامت عليه لسنين طويلة، كان يرى فيها بأم عينيه كيف كان الصليبيون في شمال الأندلس يتوحدون رويدا رويدا تحت قيادة الفونسو الثامن ملك قشتالة، الذي حلق رأسه واعتزل النساء ولم يغتسل بالماء بعد ما أصابه في معركة الأرك (Alarcos) الخالدة قبل 4 سنوات. واستغرق الامر الفونسو ثماني سنوات كاملة في الحشد لحرب المسلمين، تصالح فيها مع الممالك الصليبية الأخرى، وعبأ الجيش تعبئة روحية ومعنوية ومادية كاملة، واستدعى المدد من انحاء اوروبا، ولم يترك وسيلة الا اتخذها حتى جمع ما يزيد على المائتي الف مقاتل، كل هذا والناصر مشغول بقمع الثورات الداخلية. وبعد هذا الاستعداد الرهيب ابتدأت الحرب فعليا بحصار الصليبيين لقلعة (رباح) الاستراتيجية، وكان عليها (يوسف بن قادس) القائد الاندلسي البارع رحمه الله، فيما عبر الناصر الى الاندلس في جيش اسطوري تصفه بعض المصادر بنصف المليون مقاتل، موزعين في خمسة جيوش بسبب الكثرة العددية، وكان جيش الموحدين النظامي وحده يبلغ 160 الفاً، ولكن مع الاسف بدلا من ان يهرع الناصر لنجدة بن قادس، وبمشورة وزيره الاحمق، يحاصر قلعة ثانوية غير ذات اهمية لمدة ثمانية اشهر كاملة كانت كافية للصليبيين ان يسحقوا قلعة رباح. لذلك قرر بن قادس ان يسلم القلعة، على ان يخرج منها آمنا هو وقواته في ذكاء وتكتيك عسكري بارع لكي ينضم للناصر ويعينه بقواته، وايضا بالمعلومات المهمة من ارض المعركة بدلا من ان يهلك هو ومن معه او ان يتم تحييده عن المشاركة الفعالة في الحرب، ولكن لما وصل بن قادس الى الناصر، قام بمشورة من وزيره بإعدامه بتهمة التقاعس عن حماية القلعة، مما زاد حنق المسلمين خصوصا الاندلسيين وهم يرون حماقات الناصر ووزرائه التي لا تنتهي. لن أطيل عليك عزيزي القارئ بسرد التفاصيل الكثيرة لغلطات الناصر الفادحة والمروعة التى ادت الى هزيمة مزلزلة في معركة العقاب، حتى قيل: لم يوجد بعدها في المغرب الاسلامي كله ولا الأندلس رجل واحد يصلح للقتال ولا حول ولا قوة الا بالله. وهكذا نرى انه بسبب غباء الناصر وحروبه العبثية ووزرائه الاغبياء دخلت الدولة العملاقة طور الاضمحلال المحتوم فلم تقم لها قائمة بعد هذه المعركة، حتى انهارت تماما فقضت، فكانت كأمس الذاهب فاعتبروا يا أولي الأبصار. أتى على الكل أمر لا مرد له.... حتى قضوا فكأن القوم ما كانوا ‏[email protected]