11 سبتمبر 2025
تسجيلواحد من أهم بنود القمة العربية الدورية التي ستحتضنها الكويت يومي 25 و26 مارس الجاري يتعلق بملف تطوير هيكلية وأداء الجامعة العربية وذلك في ضوء تقرير شامل أعدته الأمانة العامة للجامعة بناء على المناقشات المستفيضة التي أجراها مجلس الجامعة على مستوى المندوبين الدائمين خلال الفترة التي أعقبت القمة العربية التي عقدت بالعاصمة – الدوحة – في شهر مارس المنصرم بعد إقرارها لتقرير اللجنة المستقلة التي شكلها الدكتور نبيل العربي الأمين العام للجامعة في شهر سبتمبر 2011 برئاسة الأخضر الإبراهيمي وزير الخارجية الجزائري الأسبق وذلك قبل أن يكلف بمهمة المبعوث الخاص للأمم المتحدة والجامعة العربية لسوريا وعضوية عدد من كبار السياسيين والخبراء العرب ممّن لهم خبرة طويلة ورؤية، ومن بينهم الصديق عبد الرحمن بن حمد العطية الأمين العام السابق لمجلس التعاون الخليجي وعقدت بالفعل سلسلة من الاجتماعات على مدى عام وثلاثة أشهر. ولاشك أن الجامعة العربية في حاجة ماسة لإعادة الهيكلة، ليس على الصعيد الإداري فحسب، وإنما على الصعيد السياسي، حتى تمتلك الكفاءة والفعالة المطلوبة في منظمة إقليمية بحجمها لتكون قادرة على إحداث مقاربات جوهرية في التعامل مع المشكلات والأزمات الإقليمية عوضا عن أن تكون مجرد سكرتارية مركزية للنظم العربية تأتمر بأوامرها ولا يكون بمقدورها تجاوزها أو الخروج عنها. وفي غير لقاء خاص جمعني بالدكتور نبيل العربي الأمين العام أبلغني أنه منحاز بقوة لخيار تطوير الجامعة العربية باعتباره ضرورة وذلك حتى يكون بوسعها امتلاك المزيد من الفعالية في التعاطي مع المتغيرات التي نجمت عن ثورات الربيع العربي، وقد سألته بوضوح: ما منظورك لإعادة هيكلة وتطوير الجامعة العربية؟ فأجابني قائلا: على وجه الإجمال فإن المفهوم الذي يحكمني في التعامل مع هذا الملف يتمثل في ضرورة تمكين الجامعة العربية من مواكبة التحولات والتطورات التي يشهدها العالم الآن، خصوصاً في ظل التغييرات المتسارعة في العالم العربي، وأنا أنظر - وفق التشبيه الشعبي - إلى ميثاق الجامعة باعتباره سيارة موديل عام 1945، وبالتالي لن يكون بمقدورها أن تتحرك في شوارع 2014. فذلك معاكس لحقائق الأمور. ورغم أن الدكتور العربي لم يشأ أن يكشف عن ملامح التوجهات المستقبلية لتطوير وتفعيل أداء الجامعة، إلا أنني أدركت أنه يسعى من وراء هذه العملية إلى تلمس حاجات وضرورات موضوعية باتت تفرض تغيير الآليات التي تحكم حركة وفعل ومنظور الجامعة العربية حتى تقترب من ملامسة أشواق الشعوب، ولا تظل كامنة في خندق الحكومات فقط. وفي تقديري فإن انبثاق ثورات الربيع العربي فرض تطورات ومعادلات جديدة على المنطقة بأكملها تستدعي ضرورة إعادة هيكلة الجامعة لتواكب المتغيرات الجديدة، وتصل إلى مصاف المنظمات الدولية الفاعلة الأخرى في حل القضايا التي تطرح عليها. ولكن الأمين العام للجامعة العربية يرى أنه لا يمكن أن يتم التطوير بقفزة واحدة تستهدف معالجة كل النقائص وإنشاء منظومة مثالية صالحة لكل زمان وفي كل مكان. وإنما يجب أن يكون عملية متواصلة تتسم بالواقعية والطموح وتقوم على رؤية جديدة للجامعة، ودورها وأهدافها وميثاقها وأجهزتها الرئيسية، مع الأخذ في الاعتبار بالتطورات التي لحقت بالنظامين الإقليمي والدولي جنبا إلى جنب. وحسب منظوره فإنه لن يكتب النجاح لأي محاولة لإصلاح الجامعة العربية ما لم يتم تعزيز الإرادة السياسية اللازمة للقيام بعمل عربي مشترك حقيقي وما لم يتم النهوض بالتعاون بين الدول العربية على نحو يضمن حماية مصالحها وتدعيم قدراتها على التعامل مع التحديات التي تواجهها، مشيراً إلى أنه يجب أن يكون ترتيب الأولويات على نحو يساعد الدول الأعضاء على الوفاء بالتزاماتهم، بالإضافة إلى إصلاح هياكل الجامعة العربية نفسها كي تتمكن من الاضطلاع بمهامها على الوجه الأمثل وأن تكتسب ثقة الحكومات والمجتمعات العربية وتسعى نحو مزيد من التواصل مع تطلعات الشعوب العربية. وبالطبع فإن تحقيق الطموح المشترك للجامعة العربية – الكلام ما زال للدكتور العربي - يتطلب إصلاحات أكثر عمقاً من أجل تمكين الجامعة من الاضطلاع بدور فعّال في مجالات عديدة قد يكون أهمها حفظ سلامة واستقرار البلدان العربية، وحماية حقوق المواطن العربي وتكوين تكتل اقتصادي عربي حقيقي، بما في ذلك إقامة مشروعات عملاقة مشتركة. وفي رأيه فإن تجربة الأعوام الثلاثة المنصرمة أوضحت الحاجة لتطوير قدرة الجامعة لتتمكن من مساعدة الدول الأعضاء التي تتعرض لتحديات داخلية كبرى على التجاوب مع تلك التحدّيات دون تعريض أمن وسلامة شعوبها واستقلالها للخطر إذا اضطرت الجامعة - تحت ضغط الظروف - للتعامل مع تحديات لم تكن متأهبة لها، وبذلت في سبيل ذلك أقصى ما استطاعته من جهد والحكمة تقتضي الاستفادة من دروس هذه الخبرة، وإعداد الجامعة مسبقاً كي تكون جاهزة للتعامل مع هذه التحدّيات حين تطرأ، بل وكي تكون قادرة على مساعدة الدول الأعضاء على تفادي الوقوع في مثل هذه الأزمات والتعامل المبكر معها بما يجنبها شرور الفتنة والاقتتال. وفي السياق ذاته سألت الدكتور فاضل محمد جواد الأمين العام المساعد للجامعة للشؤون السياسية والذي تولى منصبه قبل أشهر، عن القيمة المضافة التي يمكن أن يسهم بها من خلال موقعه الجديد في أداء الجامعة العربية، فعقب قائلا: لا أود أن أتدخل في هذه المسألة، لكني كعربي أرى أن أداء الجامعة العربية في حاجة إلى إعادة نظر، خاصة فيما يتعلق بهيكلية تمثيل الدول العربية بها أو كيفية اتخاذ القرارات والصلاحيات الممنوحة لها على نحو يسمح بأن تتحول إلى جامعة حقيقية تصل إلى مستوى الاتحاد الأوروبي وبالذات في المجال الاقتصادي والذي ينبغي أن يحظى بالأولوية. فإذا تمكنا من توحيد الدول العربية اقتصاديا فسيصب ذلك إيجابيا على الصعيد السياسي، ولاشك أن أي تعديل في هذا الاتجاه سيكون في صالح الأمة العربية. ويضيف: بالتأكيد فإن مسألة التصويت في حاجة إلى إعادة نظر على نحو يسمح للجامعة بأن تتخذ قراراتها وتحقق أهدافها من دون أن يكون فيتو على إرادتها وذلك يستوجب أن ينظر إليه بشكل عملي ومنطقي، بحيث لا يكون الإجماع هو الخيار الوحيد في التصويت، وإن كانت هناك مسائل في حاجة إلى التصويت بالأغلبية.