31 أكتوبر 2025

تسجيل

الصراع حول الدستور المصري الجديد

17 مارس 2012

منذ اللحظة الأولى لتنحي الرئيس المخلوع حسني مبارك، بدأت معركة الدستور المصري الجديد، لأن كل القوى السياسية تعلم أن مسألة وضع الدستور هي الخطوة الأهم في تحديد شكل الدولة المصرية الجديد، فعلى أساسها تتحدد كافة الخطوات الأخرى الخاصة بالعلاقات بين سلطات الدولة المختلفة وكذلك قوى المجتمع المتنوعة. كانت البداية مع التعديلات الدستورية التي حددت كيفية اختيار اللجنة التأسيسية المنوط بها وضع الدستور، التي ثار حولها لغط كبير بين أغلبية مؤيدة لما ذهبت إليه بحق أعضاء مجلسي الشعب والشورى المنتخبين في اختيار أعضاء هذه اللجنة، وبين أقلية معارضة لمبدأ تأخير وضع الدستور لما بعد الانتخابات التشريعية التي ستأتي بأعضاء البرلمان الذين سيختارون أعضاء اللجنة. واستمرت المعركة بين الطرفين طوال العام الماضي حتى تم انتخاب البرلمان، حيث بدأت مرحلة جديدة من الصراع حول المبادئ التي على أساسها سيتم اختيار أعضاء اللجنة، وهل تحق لأعضاء البرلمان المشاركة فيها أم أنه من الضروري أن يتم اختيار كافة أعضائها من خارج البرلمان، حتى يتسنى تمثيل كافة قوى المجتمع كما ادعت الأقلية. المستشارة تهاني الجبالي نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا، وأحد من يعبرون عن فكر القلية، رأت أن هناك معايير ثابتة في كل دول العالم لتشكيل الهيئات التأسيسية لوضع الدساتير، منها ضرورة استقلال هذه اللجنة بعضويتها تمامًا، بحيث تشترط عدم قبول أعضائها أي مناصب تشريعية أو تنفيذية لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات، إضافة إلى معيار الكفاءة، أي أن يكون الأعضاء من ذوي الخبرة والقدرة على إدارة حوار وطني منظم، ثم صياغته في إطار دستوري. ويوافقها في ذلك الدكتور ثروت بدوي الفقيه الدستوري الذي أشار إلى أن القاعدة الأصولية التي لا تقبل أي مناقشة، أنه ليس لأي برلمان في بلد ديمقراطي أن يضع دستورًا؛ لأن الدستور هو الذي يخلق وينشئ البرلمان وليس العكس، لافتًا إلى أن الإعلان الدستوري سقط في خطأ جسيم، حينما أعطى مجلسي الشعب والشورى سلطة انتخاب أعضاء اللجنة التأسيسية؛ لأنه أمر يناقض المنطق والقانون والذوق. وهناك أيضا من تحدث عن اللغط الذي يدور حول شرعية البرلمان ذاته في ظل القضية المنظورة الآن أمام المحكمة الدستورية بشأن طريقة الانتخاب التي تمت على أساسها الانتخابات التشريعية وهو ما يشي بإمكانية حل البرلمان في حال صدور حكم بعدم دستورية قانون الانتخابات. الأمر الذي سيؤدي إلى الدخول في دائرة بطلان عمل اللجنة التأسيسية لوضع الدستور وفقا للقاعدة القانونية التي تقول بأن "ما بني على باطل فهو باطل". لكن كل هذه الانتقادات التي يوجهها أنصار الأقلية تجد من يرد عليها عند الطرف الآخر الذي يرى أن حديث الأقلية ليس منطقيًا وعارٍ تمامًا من الصحة، ويهدف إلى بلبلة الرأي العام، كما يقول صبحي صالح وكيل اللجنة التشريعية بمجلس الشعب، الذي أشار إلى أن النص الدستوري المتعلق بتشكيل اللجنة التأسيسية صريح وواضح وعام ومطلق، ويُسمح لجمعية الناخبين من النواب أن تختار ما تراه مناسبًا، موضحًا أن إطلاق النص مقصود في حد ذاته لعدم تقييد الدستور، وكذلك وضع المعايير بهذا الشكل يكون لمهمة مَن يصلح لها. ويتفق معه الفقيه الدستوري الدكتور عاطف البنا الذي أكد عدم وجود أي شبهة دستورية حال اختيار أعضاء اللجنة كاملة من أعضاء مجلسي الشعب والشورى، كما أنه لا توجد أي شبهة تلاحق أعضاء اللجنة حال الحكم ببطلان عضوية أي من أعضاء البرلمان المنضمين إليها، كما أن الحكم ببطلان المجلس كاملاً وحله لا يؤدي إلى بطلان قرارات المجلس السابقة، مشيراً إلى أن الأحكام في مثل هذه الأمور تبطل المجالس، لكنها لا تبطل قراراتها السابقة، لافتًا إلى أن قاعدة "ما بني على باطل فهو باطل" ليست القاعدة الوحيدة في القانون، وقد حُكم قبل ذلك ببطلان المجلس وكان هو الذي رشح رئيس الجمهورية، ولم يُحكم ببطلان ترشيح الرئيس، فكل ما صدر من أحكام سابقة بهذا الشأن ينص على عدم بطلان القرارات السابقة. ولا يزال الجدل مستمرا بين الطرفين، ويبدو أنه سيستمر لأن الصراع بينهما، والذي بدأ مع إقرار التعديلات الدستورية في مارس من العام الماضي، لن ينتهي بتشكيل اللجنة التأسيسية لوضع الدستور. ذلك أن الصراع أبعد بكثير من إشكالية اختيار أعضاء اللجنة، فهو يتعلق بالاختيارات الكبرى لشكل الدولة والمجتمع والقيم التي ستحكمهما خلال العقود القادمة.