09 أكتوبر 2025
تسجيلالاتحاد الأوروبي يطمح إلى أن يكون قوة عظمى اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً التباين الأمريكي الأوروبي ظهر في كيفية مواجهة تحديات الحرب والسلم أثارت الخطب التي ألقاها وزير خارجية الولايات المتحدة ووزير دفاعها على منبر مؤتمر الأمن في ميونخ يوم السبت 15 عاصفة غير مسبوقة من التعليقات حيث قدم المسؤولان ما يسمى عادة (العقيدة الدفاعية والأمنية لواشنطن) وهي العقيدة التي كان الرئيس ترامب عرضها في خطابه حول حالة الاتحاد منذ سنة أمام المجلسين التشريعيين وتراوحت التعليقات الأمريكية والأوروبية جميعها بين الإقرار بجرأتها وبين التنويه بانفراد الرئيس ترامب بهذه العقيدة دون استشارة أو حتى إعلام حلفائه في الغرب على مستوى حلف الناتو، ومن هؤلاء المعلقين نجد الرئيس الفرنسي الشاب الذي شبه الإعلام الفرنسي ردود فعله بالسلوكيات الديجولية (نسبة للجنرال ديجول) أي المتمسك بسيادة قرار الجمهورية الفرنسية وعدم تذيلها للحليف الأمريكي الأكبر. فقد سبق للرئيس ماكرون أن ألمح الى الفشل الذي يشل التحالف الغربي ويشكك في قيادة واشنطن لهذا التحالف فهو في نظر فرنسا ونسبيا في نظر المستشارة ميركل فشل ذريع لما أراده حلفاء أمريكا من تضامن قوي، أولا كانت باريس ترغب في أن يعدل دونالد ترامب عن قراره بالخروج من معاهدة باريس العالمية حول المناخ (والتي وقعها الرئيس أوباما مع 190 من دول العالم يوم 12 ديسمبر 2015) وكانت هذه المعاهدة محل شرف أثيل لفرنسا حيث نجحت في ضم 190 دولة الى مشروعها، فالتزم الموقعون باتخاذ إجراءات قاسية لحماية طبقة الأوزون والتخفيض التدريجي في درجات تلويث الهواء بما تضخه المصانع من دخان ملوث. وكان انضمام أمريكا لهذه المعاهدة هو المكسب الأهم لدى باريس وحلفائها الأوروبيين، لكن حلول الرئيس ترامب المفاجئ في البيت الأبيض عوضا عن منافسته السيدة هيلاري كلينتون المتحمسة للمناخ كان الطالع الأسود للمعاهدة، لأن رجل الأعمال ترامب الذي لبس كسوة الرئيس هو الذي وعد أباطرة الصناعة الأمريكية أيام حملته الانتخابية بالخروج مما سماه "الفخ الفرنسي" لأنه حسب رأيه فخ نصبته باريس لإيقاع الصناعة الأمريكية في مطبات المنافسات الصينية والأوروبية وقص أجنحتها في مجال التصدير للصلب والحديد والألومنيوم والسيارات والتجهيزات والسلاح!. ويعتقد ترامب أن باريس ذاتها رومانسية ومغرر بها من قبل اللوبيات الروسية والصينية والألمانية القوية التي أكلت الكستناء الساخن بأصابع فرنسا كما يقول المثل الفرنسي!. هذا الإخفاق الأوروبي يضاف إلى إخفاق سياسي واستراتيجي ثان سجلته خطب الوزيرين الأمريكيين في مؤتمر ميونخ وهو الفشل في اقناع ترامب بالتراجع عن الخروج من معاهدة النووي الإيراني الموقعة يوم 14 يوليو 2015 بين طهران والدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن في مدينة قيينا عاصمة النمسا واعتبرتها الدول الخمس بما فيها الولايات المتحدة في اخر عهد أوباما انتصارا باهرا لتعطيل برنامج إيران النووي ومنع الجمهورية الإسلامية من بلوغ خط امتلاك السلاح النووي!. في هذه النقطة بالذات تبين التضاد بين واشنطن وحلفائها لا فقط في تقييم المعاهدة مع طهران بل في كيفية مواجهة تحديات الحرب والسلم في القرن الحادي والعشرين فبينما ترى أوروبا والصين وروسيا أن اتفاقا مع إيران حول تحديد منسوب تخصيب اليورانيوم كاف وكفيل بقطع الطريق النووية العسكرية أمام طهران ترى واشنطن بصراحة أن موقف إسرائيل هو الأفضل لأنه يعتمد على التهديد بالقوة العسكرية ولا يثق في التزامات إيران الراهنة. نعم هي ليست مجرد اختلافات شكلية حول الوسائل الجيوستراتيجية بل هي خلافات جوهرية حول الغايات البعيدة والطرق الأنجع لضمان تفوق الغرب المنتصر وتسخير بقية العالم لخدمته وتزويده بالطاقة وشل حركات أعدائه الحقيقيين أو الافتراضيين. ثم إن للاتحاد الأوروبي مع إيران مصالح اقتصادية (منها مثلا شراء طهران لخطوطها الجوية 120 طائرة إيرباص على سنوات)، كما أن لها مصالح استراتيجية مع الصين التي وضعها الوزيران في ميونخ يوم السبت على رأس أعداء الغرب فتشكلت منذ عقدين منظومة عالمية للتنمية والسلام، انخرطت فيها بيجين ثم موسكو مما عزز مكانة الغرب المنتصر الذي يقع جغرافيا وجيوستراتيجيا بين قارة آسيوية صاعدة وشرق أوسط متوتر وخليج ثري بالطاقة ومستهدف وتطل كل من روسيا والصين على معابر بحرية حيوية تتحكم في أنابيب نقل النفط والغاز وتؤثر على النقل التجاري والعسكري لمناطق حيوية تقع في قلب العالم. ومن هنا جاء إخفاق حلفاء واشنطن في تحويل وجهة الرئيس ترامب عن العداء المعلن للصين وهم يدركون أن ردود فعل بيجين ستكون مشروعة في منظور القانون الدولي وسوف تتيح أولا لحليفة الصين طهران العودة الى تخصيب اليورانيوم وتصنيع سلاحها النووي مثل جارتيها باكستان والهند ومثل غريمتها إسرائيل. كل هذا الفشل الذي كان أهم جديد في مؤتمر ميونخ تم على خلفية قبلات حارة وعناقات حميمية أسالت نهرا من التعليقات الساخرة في وسائل الإعلام الفرنسية والأوروبية وحتى الأمريكية. على كل فإن وراء هذه القمة ونوادرها أبعادا جيوستراتيجية جدية وحساسة تؤكد لنا أن الاتحاد الأوروبي يطمح إلى أن يكون قوة عظمى اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، وبالتالي الخروج تدريجيا عن بيت الطاعة الأمريكي فلا ننسى أن أول خطاب انتخابي ألقاه ترامب في أكتوبر 2016 تضمن تهديدا صريحا للقارة الأوروبية واصفا إياها بالقارة العجوز، داعيا إياها إلى تحمل مسؤولياتها ودفع الأموال لواشنطن من أجل تأمين سلامتها!. ولا يغيب عن أذهان القراء الكرام أنه في مقابل هذا الإخفاق نشهد نجاح قمة الكوريتين والعناق الآخر بين زعيمي الشطرين وهو ما يفتح الطريق أمام ترامب لعقد القمة الأهم مع القوة النووية الفعلية و"الوقحة" في بيونج يانج!. [email protected]