13 سبتمبر 2025

تسجيل

فرص التعاون الاقتصادي العربي

17 فبراير 2013

تزداد يوما بعد آخر التحديات الاقتصادية التي تواجه بلدان العالم والتي تسعى إلى التعاون أو التكتل للتخفيف من حدة الأزمات المتسارعة، حيث وجه الاتحاد الأوروبي في قمته الأسبوع الماضي والتي خصصت لاعتماد الخطوط العامة لميزانية الاتحاد حتى عام 2020 إلى ضرورة الإسراع في إقامة منطقة للتجارة الحرة مع الولايات المتحدة الأمريكية، ما يعني إقامة أكبر منطقة للتجارة الحرة في العالم وتستحوذ على نصف الاقتصاد العالمي، وهو تطور مثير في العلاقات الاقتصادية الدولية. في المقابل تسعى البلدان العربية ومنذ خمسين عاما لإيجاد شكل من أشكال التعاون الاقتصادي دون جدوى، فقرارات القمم العربية السابقة طغت عليها الخلافات السياسية، مما استدعى عقد قمم اقتصادية ثلاث حتى الآن في الكويت عام 2009 وشرم الشيخ عام 2011 ومؤخرا الرياض 2013 إذ لم تختلف النتائج عن ما سبقها من قمم دورية توالت منذ ستينيات القرن الماضي. وفي الوقت الذي يتم التحضير فيه للتعاون الاقتصادي الأوروبي -الأمريكي على أسس قوية من المصالح المشتركة، فإن الاتفاقيات العربية يتم وضعها دون الاستناد على أسس موضوعية تعكس طبيعة الاقتصادات العربية وبنيتها التشريعية المتفاوتة بصورة كبيرة، مما لا يتيح تنفيذ هذه الاتفاقيات التي تتسم بطابع عاطفي بعيدا عن المتطلبات الاقتصادية والتشريعية التي تضمن نجاح هذه التوجهات التعاونية. وإذا ما أخذنا أحد قرارات قمة الرياض الأخيرة، فقد صرح مدير عام الجمارك السعودية أن "تطبيق الاتحاد الجمركي بين البلدان العربية في عام 2015 كما هو متفق سيشكل المحك الحقيقي لقرارات القمة"، علما بأنه لا تتوافر أبسط الأسس اللازمة لتطبيق الاتحاد الجمركي العربي، مما يعني أن الحديث السابق لا يعدو أن يكون تمنيات بعيدة عن الواقع. وأول هذه المبادئ التي يستند عليها الاتحاد الجمركي، هي ضرورة إقامة منطقة للتجارة الحرة تتيح انتقال السلع المنتجة محليا بين الأطراف المتعاقدة دون رسوم جمركية، وهو ما يسعى إليه الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، في حين ما زالت منطقة التجارة الحرة العربية تراوح مكانها دون تطبيق منذ أن اتفق بشأنها في عام 2002، إذ لا يمكن القفز من فوقها والانتقال إلى طور أعلى من التعاون، كالاتحاد الجمركي دون تنفيذ هذا البند الخاص بمنطقة التجارة الحرة بين البلدان العربية. وبما أن المتحدث يحتل منصب مدير الجمارك، فإنه يعرف أكثر من الآخرين هذه الحقيقة، فدول المجلس تملك خبرة طويلة في التعاون الاقتصادي، حيث اتفقت على منطقة التجارة الحرة في عام 1983 ولم تطبق عمليا إلا في نهاية التسعينيات، أما الاتحاد الجمركي الخليجي، فقد اتفق على تطبيقه ابتدءا من يناير عام 2003 ولم يطبق حتى الآن، حيث تم تأجيله سبع مرات واتفق أخيرا على البدء بتطبيقه اعتبارا من الأول من يناير من عام 2015. وإذا كان الأمر بهذه الصعوبة وبهذه التعقيدات بين ستة بلدان فقط وتتشابه أنظمتها الاقتصادية والجمركية إلى حد التطابق، فإن الأمر يبدو بعيدا عن الواقع بين 22 دولة تتفاوت أنظمتها الاقتصادية والجمركية بصورة كبيرة ويعتمد بعضها على الرسوم الجمركية في تمويل موازناته السنوية والتي ترتفع لتصل إلى نسبة %100 على بعض السلع المعمرة، كالمركبات، في حين تم توحيد التعرفة الجمركية بين دول المجلس عند 5% فقط. أما منطقة التجارة العربية الكبرى، فإنه أمر قابل للتطبيق، وذلك رغم العقبات التي تقف أمامه حتى الآن، إذ إنه يقتصر على المرور الحر للسلع المنتجة في البلدان العربية دون رسوم جمركية، حيث يتيح ذلك إمكانات كبيرة لنمو التجارة العربية البينية، كما هو الحال مع نمو التجارة الخليجية البينية والتي تضاعفت خلال العقدين الماضيين بعد استكمال منطقة التجارة الحرة وتوحيد الرسوم الجمركية بين دول المجلس. لذلك، فإنه من الأفضل لجامعة الدول العربية وأجهزتها، وبالأخص الخاصة بمتابعة الشأن الاقتصادي العربي التركيز على تذليل العقبات التي تعترض تنفيذ اتفاق التجارة العربية الحرة والذي سيشكل إنجازا ذا مردود اقتصادي على كافة البلدان العربية، أما مسألة الاتحاد الجمركي العربي، فإنه غير قابل للتطبيق من الناحية العملية. وفي كل الأحوال، فإن تجربة مجلس التعاون الخليجي يمكن أن تقدم خدمة قيمة للتعاون الاقتصادي العربي، سواء فيما يتعلق بوضع الأسس الموضوعية اللازمة للتعاون المثمر أو في كيفية تذليل العقبات التي تتيح نجاح تطبيق الاتفاقيات الموقعة بين البلدان العربية.