15 سبتمبر 2025

تسجيل

خُلُق الحياء

17 يناير 2019

الحياء شعبة من شعب الإيمان، وخُلُق عظيم جاء به الإسلام، وهو من الأخلاق الحميدة التي أمرنا ديننا بالتحلي بها؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ -أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ- شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ» رواه مسلم. والحياء جمال للمرأة والرجل على حدٍّ سواء، ليس خاصًّا بالنساء فقط كما يعتقد البعض، والدليل على ذلك ما جاءت به السنة النبوية تصف حياء النبي صلى الله عليه وسلم، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ العَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا» [صحيح البخاري ومسلم]. ولا شك أن الحياء من أميز ما يميز المرأة المسلمة عن غيرها، فحياءُ المرأة المسلمة هو رأسمالها، فيه عِزُّها، وبه تُحفظ كرامتها، وشرف أهلها، وليس هناك امرأة صالحة لا يزين الحياءُ خُلُقَها، قال عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقًا، وَخُلُقُ الْإسْلَامِ الْحَيَاءُ» (رواه ابن ماجه وصححه الألباني). قال ابن القيم -رحمه الله-: «الحياء مشتق من الحياة، فإن القلب الحي يكون صاحبه حيًّا فيه حياء يمنعه عن القبائح، فإن حياة القلب هي المانعة من القبائح التي تُفسِد القلب؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الْإِيمَانِ» (رواه البخاري). إن الحياء سياج يصون كرامة المسلمة، ويحفظ لها سلوكها بعيدًا عن التبذُّل والفُحش، وأقوالها بعيدًا عن البذاءة، وبهذا ترتفع به عن السفاسف. وعندما يُخرَق هذا السياج ويذهب الحياء؛ فإن المقاييس جميعها يصيبها الخلل، ويصدر عن المسلمة عندئذ ما لا يتناسب مع تفرُّدها وتميزها، والتكريم الذي كرمها الله تعالى به. وقد قيل في الحِكَم: (من كساه الحياء ثوبه لم ير الناس عيبه). والبُعد عن تعاليم الدين والتحلي بأخلاقيات وسلوكيات الإسلام يترجمه الواقع اليوم، فلا شك أن هناك انفتاحًا على الثقافات الغربية بشكل واسع أدى إلى حدوث خلل واضح عند بعض الرجال والنساء في خُلُق الحياء والتحلي به، فقد أصبح بعض الرجال يملك حسابات على جميع وسائل التواصل ويُعلِّق للنساء ويُثني عليهن ويغازلهن في منشوراتهن دون أدنى حياءٍ أو خجل، وكأن الأمر عادي، ولكن في الحقيقة انعدام الحياء نقصٌ في الإيمان، وكذلك بعض النساء نفس التصرف تُعلِّق لرجالٍ على منشوراتهم بالإعجاب والإطراء والخضوع، وهذا لا يليق بالمسلمات. ونرى في حياتنا اليومية الكثيرَ من المواقف التي توضِّح ضعف الحياء عند بعض الرجال والنساء، فهناك من يتبسَّط في الاختلاط، ويسترسل في الحديث دون حاجة أو داعٍ، وكذلك الجرأة التي ألِفَتها بعض النساء من دعاة التحرر فأصبحت تزاحم الرجال بل وتمازحهم، وصداقات بين رجال ونساء في العمل وعلى وسائل التواصل، وهذا الأمر خطير ونذير شؤم وسبب من أسباب الخراب والدمار لبعض البيوت والأسر، فلا بد من عودة التمسك بالحياء، بل تربيته وغرسه في نفوس أولادنا وبناتنا منذ الصغر، ويجب على الرجال التحلي بخُلُق رسولهم الكريم صلى الله عليه وسلم؛ فالحياء عِفَّة وفضيلة للرجل تمنعه من فِعل القبائح وتحثُّه على التمسُّك بالفضائل والأخلاق الرفيعة. ويجب على النساء العودة إلى سابق عهدهن من الحياء الذي يُشبه حياء أمهاتهن من السلف، نريد حياءً كحياء عائشة وفاطمة وأسماء وسائر الصحابيات الكريمات. فالتحلي بالحياء جمالُ كلِّ امرأة مسلمة. وهناك مَن يُبالغ في الحياء فيمنعه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهذا بلا شك مرفوض، فالحياء لا يعني السكوت عن الحق أو خشية الناس. قال القرطبي رحمه الله: (قد كان المصطفى -صلى الله عليه وسلم- يأخذ نفسه بالحياء ويأمر به، ويحثُّ عليه، ومع ذلك فلا يمنعه الحياء من حقٍّ يقوله، أو أمرٍ ديني يفعله، تمسكًا بقوله تعالى: {وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} [الأحزاب: 53]. اللهم جَمِّلنا بخير الأخلاق والصفات، وارزق المسلمين والمسلمات الحياءَ والعفة والفضيلة والحشمة في القول والعمل يا رب العالمين.. اللهم آمين.