14 سبتمبر 2025
تسجيلحاول المجلس العسكري الذي تسلم دفة إدارة البلاد بعد خلع حسني مبارك أن يتحكم بقواعد اللعبة في مصر، إلا أن سخونة المد الثوري وعدم ثقة الشعب بالعسكر عرقلت هذه المساعي، فقد كانت "النشوة الثورية" في أوجها، وكانت العواطف جياشة، ولم يقبل المتظاهرون بأي حل أو صفقة تضمن بقاء الجيش في السلطة، بل ذهب البعض إلى اتهام الإخوان المسلمين بإبرام صفقة مع قادة الجيش لإفراغ ثورة يناير من مضمونها، وهذا ما زاد "الطين بلة" ومنع أي إمكانية للجنرالات للسيطرة على الوضع، فكان لا بد من تنظيم انتخابات رئاسية تكون نتيجتها الحتمية فوز مرشح الثورة وإلا فإن المظاهرات سوف تستمر في الشوارع، فالناس غير مستعدين لقبول أي مرشح لا يعكس الشعور الثوري، ما أجبر المجلس العسكري على تنظيم عملية انتخابية نزيهة بالكامل، رغم تأييد المجلس أو تفضيله للمرشح العسكري الفريق أحمد شفيق في مواجهة مرشح الإخوان وثورة يناير الدكتور محمد مرسي.الحقيقة أن المجلس العسكري والجنرالات والدولة العميقة والكنيسة القبطية لم يقفوا مكتوفي الأيدي، فقد دعموا أحمد شفيق بكل قوة وحاولوا إنجاحه بكل الطرق، لكن الجو العام المفعم بالحماس والعاطفة الثورية لم يكن ليسمح لشفيق بالفوز، حتى لو فاز فعلا، فقد كان فوزه يعتبر كارثة على الحالة الشعبية الثائرة.هذه الأجواء المحمومة بين القوى التي ترتبط بالثورة ومن بينها الإخوان المسلمين وبين القوى المضادة للثورة المتمثلة بالعسكر والدولة العميقة أرخت بظلالها على المشهد، وأدت بالتالي إلى فوز مرشح ثورة يناير الدكتور محمد مرسي بنسبة 52% مقابل 48% لمنافسه أحمد شفيق، وعندما تأخر إعلان النتائج تصاعد الغضب الشعبي واتهم المجلس العسكري بمحاولة التلاعب بنتائج الانتخابات وتزويرها، ما وضع ضغطا إضافيا على الجنرالات، وعندما أعلنت النتيجة تنفس الجميع الصعداء بما في ذلك قادة الجيش، الذين كانوا يخشون أن تفلت الأمور لو لم يعلن عن فوز الدكتور مرسي.لا شك أن فوز مرشح ثورة يناير جاء طبيعيا وفي سياقه الطبيعي، فالثورة اندلعت لكي تنتصر، وشكل هذا الفوز انتصارا أوليا للثورة، ولا ريب على الجهة الأخرى أن المجلس العسكري كان يرغب بفوز عسكري بمنصب الرئيس حتى لا تخرج الرئاسة من بين يديه، وهم أعدوا العدة لذلك، إلا أن الرياح لم تكن مواتية لإنجاح مرشحهم، مع أنني أميل إلى الاعتقاد إنهم كانوا قادرين على ذلك لو أرادوا فهم "معلمين بالتزوير"، ولديهم خبرة طويلة في هذا المجال. إلا أن الحقيقة الأخرى هي أن الانتخابات كانت نزيهة وأن نصف الأصوات تقريبا التي حصل عليها الفريق أحمد شفيق كانت حقيقية وكانت تعكس حجم التعبئة والتجييش الذي لعبته الدولة العميقة والإعلام والكنيسة ورجال الأعمال الذي تحالفوا سرا وعلانية من أجل إسقاط مرشح الإخوان والثورة، وهذا يكشف قدرتهم الكبيرة والهائلة على التلاعب بالوعي المصري، عبر إشاعة الخوف من المجهول والرهبة من الانتقال إلى مرحلة غير معروفة الملامح، وقد نجح هذا التلاعب بغسل عقول نصف المصريين على الأقل.