15 سبتمبر 2025
تسجيليعيش الشعب الفلسطيني منذ عدة أشهر، ما يذكرهم بالمعاناة التي سبقت الانتفاضات السابقة في الأراضي المحتلة، والتي جعلتهم يخرجون في وجه الاحتلال دون خوف أو وجل، وأن ما يجري في الداخل الفلسطيني لا يمكن السكوت عليه، وفيما يعيشونه من قتل وقمع وتدمير لبيوتهم ومساكنهم، والتهويد لمقدساتهم، في كل مدنهم الفلسطينية التي جعلها الكيان الإسرائيلي، ثكنة عسكرية، ومطاردة للشبان الفلسطينيين، وبوسائل مختلفة، لمجرد أنهم يرفضون هذا الاحتلال، وما يلاقونه من ملاحقات يومية، وهذا ما جعل الفرد الفلسطيني، يستخدم وسائل بدائية لمواجهة الجنود الإسرائيليين الذين أفرطوا في استخدام السلاح الناري، في مقابل الحجارة والسكاكين، وهذه الوسيلة لا تؤثر في الاحتلال، ولا تهديد وجوده، ولكن المعاناة دفعتهم إلى هذه الوسيلة لتوصيل رسائلهم لكل العام، أنهم لم يعد يحتملون ما يجدونه من مضايقات، ومن استفزاز، ومن طرق يستخدمها الاحتلال خانقة، ولاشك أن انتفاضة الأقصى آنذاك، جاءت استجابة للمعاناة اليومية وللتحديات التي أصبحت واقعا مراً للشعب الفلسطيني، بعد المماطلات والتسويف منذ ما يقرب من ثلاثين عاما على اتفاقية أوسلو، والتي لم تحقق الحل العادل، إلا المعاناة وزيادة المستوطنات والقمع والتهويد وغيرها من الوسائل التي جعلت الشعب الفلسطيني يثور رافضا للوضع القائم، بعد الاتفاقيات الهزيلة التي وقعت في السنوات الماضية، ولم تلامس الحل العادل الذي يحقق له طموحه في الاستقلال الحقيقي، وفي استعادة الحق السليب في القدس الشريف، وباقي الأراضي الفلسطينية المحتلة، فلم تحقق هذه الاتفاقيات ما انتظره هذا الشعب، من الأحاديث والتصريحات واللقاءات بين الجانب الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية، ولذلك جاءت انتفاضة الأقصى في التسعينيات من القرن الماضي، وما سبقها من انتفاضات، لترد على الاحتلال الإسرائيلي، بأن هذا الشعب لا يرضى إلا بالحق العادل، مهما كانت التضحيات، وأنه لن يسكت عندما يجد التمادي الإسرائيلي في القمع والقتل والتهويد، عندما تتجدد المواجهات مع جنوده، بسبب قيام اليمين الإسرائيلي، باستغلال الظرف العربي الراهن، والصراعات الداخلية العربية، لينفذ المخطط في تهويد المقدسات، وطمس الهوية الفلسطينية في كل الأراضي الفلسطينية.ولا شك أن التحرك الرافض للاحتلال لها الكثير من المكاسب، لو أن القيادات الفلسطينية استثمرت هذه انتفاضات السابقة، وقد وفّرت الانتفاضة الأقصى ـ كما يقول عبدالإله بلقزيز ـ "فرصة تاريخية لإخراج الحركة الوطنية الفلسطينية من أزمتها, ولإعادة بنائها من جديد, ثم – وهذا هو الأهم- لوضع نضال الشعب الفلسطيني على مسافة حجر من نيْل حقوقه الوطنية. لكن قيادة هذه الحركة لم تغتنم هذه الفرصة بما يكفي ولا أحسنَتْ استثمار نتائجها. إذ سرعان ما دخلت في دهاليز الأوهام السياسية من جديد: من وهم التسوية في ((مدريد)) إلى وهم التسوية في ((أوسلو))! نعم.. من الإنصاف القول إن تبديد مكتسبات الانتفاضة في عمليةٍ سياسية فاسدة ((مؤتمر مدريد))، كما يرى بلقزيز، لم يكن خياراً فلسطينياً مريحاً, وإنما أتى في سياق ظروف دولية وإقليمية, وما نَجَم عنهما حاد في موازين القوى, ومن انفراد كلّي للولايات المتحدة بإدارة الأوضاع والأزمات في العالم, مثلما أتى في سياق قبولٍ عربيّ عام بالمشاركة في مؤتمر التسوية ذاك, وعلى نحوٍ كانت تخشى فيه منظمة التحرير من عزلها سياسيّاً ومن قيام غيرها بتقرير مصير قضية شعبها مستفيداً من غيابها.ومع ذلك, إذا كان ذلك يبرّر لها نسيبّاً- وهو لا يبرّر في أي حال- المشاركة في مؤتمر فرصتهْ نتائجُ حربٍ كبرى, فإن الذي لاسبيل إلى تبريره-على أيَّ نحوٍ من الأنحاء- هو دخولُها في صفقة ((أوسلو)) والحكم الذاتي.لقد سدَّد ذلك أقسى ضربة لنتائج الانتفاضة وتضحياتها, وأطال أمدَ الوصول إلى تحقيق أهداف المشروع الوطني الفلسطيني في الحد الأدنى منه: حق تقرير المصير والعودة وقيام الدولة!".. وهذا ما يتناقض مع الحق العادل. والإشكالية أن الولايات المتحدة الوسيط الوحيد في القضية الفلسطينية منذ ثمانينات القرن الماضي، ليس محايداً، وهذا ما جعل الحلول العادلة لا تجد الأرضية الحاضنة للنجاح منذ مؤتمر مدريد حتى الآن، على الرغم أن الوعود الأمريكية، بدولة فلسطينية، قابلة للحياة، وهذا ما جاء في عود الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن، الذي أعلن عن الدولة الفلسطينية التي ستقام في 2005!! وهذه الوعود والتطمينات، لم تطبق على أرض الواقع، بل إن الكيان الإسرائيلي، تمادى في مخططاته، وتجاهل كل الوعود والاتفاقيات التي تمت مع الجانب الفلسطيني منذ ما يقرب من عقدين، ومنذ اتفاق أوسلو حتى الآن، ولذلك فإن الإحباط أصاب الفلسطينيين، الذين حلموا باتفاقيات عادلة تعيد لهم حقوقهم المسلوبة، التي احتلت منذ الأربعينيات، مع أن القرارات الدولية، كانت مع الحقوق الفلسطينية، سواء بعد حرب 1948، أو بعد حرب 1967، لكن هذه القرارات، لم تنفذ بسبب (الفيتو) الأمريكي وهو الوسيط أيضا بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ووقف إلى جانب إسرائيل في عدوانها في أحداث كثيرة في وقف قرار إدانة إسرائيل، وفي سياساتها الاستيطانية، وفي كل ما تفعله في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهذا نذير بقيام انتفاضة ثالثة تنهي كل المماطلات في العملية السلمية منذ مدريد حتى الآن.