29 أكتوبر 2025
تسجيللم تعان منطقة في عالمنا المعاصر من نتائج الحروب العبثية والتدميرية أكثر من منطقة الخليج العربي، التي كانت مسرحا مأساويا وساحة ميدانية لحروب دموية قاسية أبرزها الحرب العراقية /الإيرانية ( 1980/1988 ) التي أكلت أرواح مئات الآلاف من شباب البلدين و استنزفت اقتصادياتهما و فتحت الطريق أيضا لحروب إقليمية جديدة وشرسة تكرست مع الغزو العراقي لدولة الكويت في 2/8/1990 وهو الغزو الأحمق الذي فتح بوابات جهنم على العراق و العالم العربي و كان المسمار الأول في نعش تمزيق العراق و تدميره و إنهائه كدولة وحتى مجتمع !، لقد تعلل النظام العراقي السابق بملف الخلافات النفطية حول الإنتاج و الأسعار كسبب من أسباب الغزو ظاهريا! ، فوفقا لإرشيف الذاكرة فإن مؤتمر قمة بغداد المنعقد يوم 28 مايو 1990 قد شهد تصريحا ساخنا و تهديديا للرئيس العراقي السابق و الراحل صدام حسين حول موضوع قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق!! ثم أتبع ذلك بصدور بيان من وزارة خارجية العراق وقتذاك ينتقد فيه مواقف الكويت و دولة الإمارات حتى تطورت الأمور لحالة الإحتلال العسكري التي رسمت خطوطا دموية جديدة على رمال جزيرة العرب و غيرت الكثير من التحالفات ومن قواعد اللعبة الإقليمية أيضا ، اليوم يتكرر المشهد التهديدي المزعج و من زاوية نفطية أيضا و من أطراف خليجية في ظل حالة فظيعة من التداخل المعقد لملفات إدارة الصراع الإقليمي المتوترة أصلا فمن ميناء بوشهر الإيراني تخلى الرئيس الإيراني حسن روحاني عن إعتداله الشائع و أطلق صرخة الألم الإيرانية الموجعة من نتائج إنهيار أسعار البترول في السوق الدولية و الضرر الكبير الذي لحق بالإقتصاد الإيراني المنهك نتيجة لذلك! ، ولم يتردد الرئيس الإيراني في تحذير دولتي السعودية و الكويت من نتائج انهيار أسعار وهو تحذير قيل بأسلوب تهديدي لا تخطئ العين الخبيرة ولا الفكر السليم قراءة دلالاته ومغازيه!! ، و الواقع إن ذلك التهديد اللفظي يحمل من عناصر الغرابة الشيء الكثير فلا السعودية و لا الكويت ولا أي طرف منتج للبترول من مصلحته ذلك الإنهيار السعري ؟ كما أن قضية بورصة أسعار بيع البترول لا تتحكم فيهما لا السعودية و لا الكويت ؟ المشكلة الأساسية تكمن في منهجية النظام الإيراني ذاته من خلال تماديه في التسلح المفرط و التباهي بالمناورات العسكرية الكبرى كدليل على أوهام القوة المريضة ، إضافة للنفقات التي تتحملها الخزينة الإيرانية جراء توسع الدور الإيراني في قضايا وملفات المنطقة ، فالمجال الحيوي الإيراني ممتد من كابل شرقا و حتى بيروت غربا وصولا لجنوب الجزيرة العربية في جبال اليمن دون تناسي حقيقة الجهد العسكري الإيراني القوي جدا و المتزايد في العراق و الشام و الخسائر الكبرى التي منيت بها إيران من أسلحة و من قيادات للحرس الثوري وهو تورط متزايد يبدو واضحا بأن الإيرانيين عازمون على توسيعه بدلا من تقليصه! فمن السهل الدخول في معركة أو حرب و لكن من الصعب جدا الخروج منها دون تأمين المواقع الخلفية أو تحقيق النتيجة التي كانت متوخاة من ذلك التدخل والذي إتخذ موقفا تصاعديا تمثل في الزيادة المفرطة في حجم و طبيعة الخسائر البشرية التي تقدمها قوات النخبة الإيرانية ( الحرس الثوري ) ليس في بطاح العراق فقط بل في عمق الأراضي السورية و في مقاومة الثورة الشعبية السورية المتفاقمة منذ أربعة أعوام ، و أنصار النظام الإيراني في العراق باتوا يعترفون علانية بأنه لولا الدعم العسكري الإيراني المباشر لهم ما كان لحكومتهم في بغداد أن تستمر!! وهو تصريح غريب و لكنه يحمل أيضا توضيحا وافيا لحالة الإنتشار العسكري الإيراني في الشرق مع ما يستدعيه ذلك التوسع من إستنزاف مادي مرهق سترتد مؤثراته على النظام الإيراني من خلال حركة الشارع الإيراني و الخشية من إنتفاضة أو ربيع إيراني جديد يكرر سيناريوهات ربيع عام 2009 ؟ و بين الملفات الإيرانية الكبرى العائمة و الحروب المتنقلة التي تخوضها قوات الحرس والتعبئة والجيش و حالة الانهيار الإقتصادي المريع ترتسم في المنطقة علامات توتر واضحة تقرع خلالها طبول الحرب النفسية وتنطلق التحذيرات والمخاوف وترسم الخطوط الحمراء فيما تسمع من بعيد أصوات خافتة تعلو أحيانا لطبول حرب إقليمية مروعة نأمل بأن لا تتطور إلى مالا يحمد عقباه، فالمنطقة لم تعد تحتمل مصائب مضافة...!.