18 سبتمبر 2025

تسجيل

الحمامة المغامرة.. ونظرية المؤامرة!

17 يناير 2013

دارت الأيام.. ومرت سنتان على ما شهدته كل من تونس ومصر من أحداث تاريخية، أفضت إلى سقوط النظامين السياسيين اللذين كانا قد شاخا وداخا، لكنهما كانا يستميتان في البقاء، وقد ابتهج الناس جميعا بما تحقق وقتها، لكن الفوضى السائلة والشاملة لم تتح لبهجتهم أن تدوم طويلا، فعادت الكآبة للوجوه، بعد أن أخلف الوعد موعده، وانطمس نور الأمل في تغيير الواقع تغييرا حقيقيا، وترددت – من جديد- صيحة أمل دنقل: لا تحلموا بعالم سعيد- فخلف كل قيصر يموت.. قيصر جديد! سنتان مرتا على الهتاف الجماعي الحماسي: الشعب يريد إسقاط النظام، لكن الجميع أفاقوا بعد قليل على ما جرى من انقسام يتلوه انقسام، بعد أن تضاربت الآراء، وتصارعت الأهواء، وإذا كان شر البلية ما يضحك، فإن كثيرين من المصريين عادوا لممارسة ما كانوا قد أدمنوه، عادوا لكي يسخروا من المصائب اليومية التي يواجهونها أو يسمعون عنها من سواهم، وعادت النكت والقفشات لتتصدر الجلسات والسهرات، وهذا بالضبط ما جرى عندما عرفوا حكاية الحمامة المغامرة، وقام بعضهم بتحليلها وفقا لنظرية المؤامرة! الحكاية باختصار تتمثل في أن إنسانا بسيطا، يعمل حارسا أمنيا في إحدى الشركات قد تمكن من اصطياد حمامة من طراز أو من فصيلة الحمام الزاجل، ويبدو أن هذا الحارس قد شك في سلوك الحمامة، أو أنه تصور أن هناك جهات أجنبية معادية قد أرسلتها للتجسس على أجواء مصر، وقد نبع هذا الشك في قلبه، بعد أن اكتشف أنها تحمل في إحدى رجليها ميكروفيلم، بينما تحمل في رجلها الثانية رسالة بعنوان: إسلام –إيجيبت2012 ومن هذا المنطلق، ووفقا لنظرية المؤامرة، قرر الحارس الأمين أن يتوجه بالحمامة التي ألقي القبض عليها إلى قسم الشرطة في منطقته، وتم تحرير محضر بالواقعة، فضلا عن إيداع الحمامة في أحد أقفاص الطب البيطري، إلى جانب التحفظ على الرسالة وإرسال الميكروفيلم إلى خبراء الإذاعة والتلفزيون، وذلك لتفريغه وتحليل مضمونه، ثم إرسال تقرير مفصل إلى المخابرات لتدارس الأمر! على الفور قام الشباب المنبطحون داخل واقعهم الافتراضي-الإنترنت بتداول الحكاية وتبادل النكت والتعليقات، حيث طالب أحد النشطاء بضرورة الإفراج الفوري عن الحمامة، بينما أكدت ناشطة حقوقية أن الحمامة قد تعرضت للتعذيب الجسدي، وقال شاب آخر ساخرا: حمامة النهضة ظهرت بعد طول انتظار، وطالب شاب آخر بالكشف عن الجهات التي قامت بتمويل الحمامة، مؤكداً أن مصر مستهدقة، ومن ناحيتي فإني قلت لأحد أصدقائي إني قد تنبأت بما ستلاقيه الحمامة في إحدى قصائدي المكتوبة منذ خمس سنوات، حيث قلت: الموج يصرخ هائجَ القُطعانِ يجرفُ ما أمامه إلاَّ حمامه فطنَتْ لِـمَا ينوي فطارت للبعيد واجتاحها فرحُ الحياة فرفرفتْ ترجو المزيد كادت تحط على حدود العش إذْ تحلو الإقامة لكنها سقطتْ على أرضٍ تخاصمها السلامة وعلى أي حال فإن الكوارث لم تمهل الذين تبادلوا النكت والتعليقات ولو لبعض الوقت، فسرعان ما عرف هؤلاء وسواهم حكاية أخرى، لكنها حكاية كارثية بكل معنى الكلمة، وهي حكاية اصطدام قطارين نتيجة للإهمال الجسيم، مما نتج عنه مقتل وإصابة العشرات من خيرة الشباب، لكي يلحقوا بالأطفال الذين دهسهم قطار آخر منذ نحو شهرين، وربما يكون هذا مما تعرضت له مسرحية كأسك يا وطن: إن الذين يقتلون في حوادث الطرق نتيجة للإهمال أكثر من الشهداء الذين سقطوا وهم يواجهون العدو الخارجي!