13 سبتمبر 2025

تسجيل

هل هذا زمن فتنة؟

16 ديسمبر 2020

قال عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز لأبيه عمر: يا أبت، ما لك لا تنفذ في الأمور وترد المظالم وتحمل الناس على الحق دفعة واحدة؟، قال له عمر: لا تعجل يا بني، فإن الله تعالى ذم الخمر في القرآن مرتين وحرّمها في الثالثة، وأنا أخاف أن أحمل الناس على الحق جملة واحدة فيدفعوه جملة واحدة ثم تكون فتنة. رحم الله الخليفة الراشد " السادس" (وليس الخامس كما يزعم البعض، لأن الخليفة الراشد الخامس هو الحسن بن علي رضي الله عنه وعن أبيه )، ووالله إنها لكلمة تحمل من العمق ومن فقه الواقع ما لا يستطيع مقال واحد جمعه وحصره وتفنيده. كثيرا – أيها السادة - ما تدور النقاشات حول الزمن الذي نعيش فيه وهل هو زمن فتنة أم لا؟ والحقيقة أن المتفكر في الأمور يجد أنها وبرغم ما يشوب بعض الأحداث من غموض في بعض الأحيان إلا أنها واضحة أيضا كالشمس في رابعة النهار. وقد يقول قائل: إن الثورة المعلوماتية التي نعيشها الآن أدت إلى نتيجة عكسية، لأن ارتفاع العرض المعلوماتي كثيرا على حساب الطلب جعل المعلومات تتدفق وتنهمر علينا بغزارة شديدة من كل جانب حتى طغت على وجداننا وأصبحت كثيرة للدرجة التي لم نعد نرغب فيها فأعرضنا عنها جملة واحدة، على طريقة عمر بن عبدالعزيز. هناك العديد من النظريات الحديثة التي تقدم بعض التفسيرات المنطقية للتفكير الجمعي في زماننا هذا ومتغيراته التي قد تفوق طاقة العقل في بعض الأحيان، ولكن لا بأس من تبسيط الأمور والاسترشاد بالتاريخ الذي يعيد نفسه كما يزعم بن خلدون. وبالعودة إلى العنوان فينبغي علينا أن نعرف أولاً أننا لسنا في القرن الأول الهجري، ذلك القرن المزدحم بالأفكار والمناهج والمدارس الفكرية الجديدة وانقطاع النبوة ثم قيام الملك العضوض ونهضة "الإمبراطورية" الأموية وما صاحب ذلك من تغيرات فاقت قدرة الاستيعاب البشري، وذلك حين خرجت قبائل العرب من صحرائها بفكر ومعتقد جديد فدمّرت الإمبراطورية الساسانية أقوى دولة في العالم آنذاك وعصفت بالإمبراطورية الرومانية حتى كادت تقضي عليها في غضون سنوات قلائل فقط. وينبغي للقارئ الكريم أن يعرف أننا لا نعيش أيضا نهاية الدولة العباسية عندما اعتقد الناس أن المغول هم يأجوج ومأجوج الذين بعثهم الله لإفناء النوع البشري، فلا داعي للمقاومة ولنستسلم كلنا لمصيرنا المحتوم، ونرضى بأن يدخل علينا الرجل الواحد من المغول في شارع فيه أكثر من مائة رجل منّا ثم يشرع بقتلنا الواحد تلو الآخر حتى يقتل كل من في الشارع بدون أي مقاومة، وهل هناك عاقل يستطيع مقاومة يأجوج ومأجوج؟. وينبغي أن نعرف أيضا أننا لا نعيش في زمن دويلات الطوائف حين كان الملوك يفرضون سيطرتهم على شعوبهم بتغييب عقولهم عن طريق الشعراء والخطباء من ناحية ثم عن طريق القوة الجبرية من ناحية أخرى في حين كانوا يرتمون تحت أقدام أعدائهم في ذلّ قبيح وهوان غير مسبوق حتى وقتنا الحالي بالطبع. وبالرغم من تشابه هذه الأمثلة الثلاثة مع كثير مما يحدث حولنا الآن إلا أنه يجب أيضا أن ننوه بأننا – وعلى غير العادة- بتنا نمتلك سلاح المعرفة الذي لم يكن أسلافنا يمتلكونه عندما كان التاريخ يعيد نفسه في أطواره المتكررة. وبالتالي فهذا ليس زمن فتنة أيها السادة الكرام، فقد سقطت ورقة التوت وانكشفت كل ألاعيبهم وحيلهم ومؤامراتهم ومحاولات تغييب عقول شعوبهم قبل الارتماء تحت أقدام الأعداء بكل قبح، فلم يعودوا يخدعون أحداً إلا من أراد لهم أن يمتطوا ظهره عن ضعف منه وغياب عقل أو عن حماقة لا علاج لها إن لم يكن عن اشتراك متعمد مقصود في المظاهرة على الأمة الإسلامية وشق صفها واضعافها رغبة أو رهبة، فإن أردت الاستيضاح أكثر عن ما هو واضح، فانظر إلى قدر مواطأة أي طرف إلى أعداء الشريعة ثم حدد موقفك منه، وتحمّل النتائج. يهون علينا أن تصاب جسومنا وتسلم أعراض لنا وعقول ‏[email protected]