21 سبتمبر 2025

تسجيل

أوهام الصدام القادم بين الإخوان والمجلس العسكري

16 ديسمبر 2011

تعززت مواقع جماعة الإخوان في مؤسسات النظام السياسي الجديد الذي يتشكل الآن في مصر بعد المؤشرات الأولية عن نتيجة المرحلة الثانية من الانتخابات البرلمانية، التي تقول بحصول حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية للجماعة، على نسبة عالية في هذه المرحلة، تفوق النسبة التي حصل عليها في المرحلة السابقة. وهنا يبرز السؤال الكبير الذي انشغل به الإعلام المصري، أو بالأحرى حاول أن يشغل الساحة السياسية به لغرض في نفس يعقوب، حول احتمالات الصدام القادم بين السلطة القائمة ممثلة في المجلس العسكري والسلطة القادمة ممثلة في الإخوان. فقد تحدث وكتب كثيرون حول الصدام بين المجلس العسكري والبرلمان القادم الذي من المتوقع أن يسيطر عليه الإخوان بالتحالف مع السلفيين، خاصة في ظل التصريحات المتبادلة بين الطرفين بشأن صلاحيات هذا البرلمان، سواء ما يتعلق منها باختيار اللجنة التأسيسية لوضع الدستور أو تشكيل الحكومة الجديدة. فقد أكد اللواء مختار الملا أحد قادة المجلس العسكري لصحافيين أجانب، أن البرلمان الجديد لا يمثل كافة أطياف الشعب المصري، ولذا فإنه لا يملك بمفرده حق اختيار أعضاء اللجنة التأسيسية التي سيشارك في اختيارها المجلس العسكري من خلال المجلس الاستشاري الذي تم تشكيله حديثا وكذلك الحكومة التي أصبحت تتمتع بصلاحيات رئيس الجمهورية. كما أكد أن البرلمان لا يحق له اختيار الحكومة الجديدة لأنه وفقا للإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس الماضي فإن النظام السياسي ما زال رئاسيا حيث يحق لرئيس الجمهورية وحده تشكيل الحكومة وإقالتها. وقد ردت قيادات حزب الحرية والعدالة على هذه التصريحات بتصريحات متشددة تؤكد على حق البرلمان المطلق والحصري في اختيار اللجنة التأسيسية. كما أعلن الحزب عن انسحابه من المجلس الاستشاري نزعا لأي شرعية مستقبلية له في إمكانية تدخله في عملية الاختيار. ورغم أن المجلس العسكري سارع إلى التأكيد على أن تصريحات اللواء الملا هي رأي شخصي ولا يعبر عن رأي المجلس، وأن حق اختيار اللجنة التأسيسية هو حق حصري للبرلمان القادم، إلا أن هذا لم يغلق باب الجدل حول الصدام المتوقع بين الطرفين، خاصة في ظل سعي من جانب قوى التيار العلماني للنفخ في رماد هذا الصدام، على أمل استنساخ التجربة الجزائرية حينما تدخل الجيش هناك في بداية تسعينيات القرن الماضي لوقف انتخابات البرلمان بعد الفوز الكبير الذي حققه التيار الإسلامي، وهو ما أدى إلى دخول البلاد في صراع دام راح ضحيته عشرات الآلاف من الجزائريين، وكان من نتيجته تنحية التيار الإسلامي عن الحكم والحفاظ على الطابع العلماني العسكري له. لكن هذه الأوهام التي يروج لها التيار العلماني بعيدة عن الواقع المصري لعدة أسباب، أهمها أن طرفي الصراع المحتملين، لهما مصلحة في التحالف أكبر بكثير من الصراع. فجماعة الإخوان المسلمين والمجلس العسكري يدركان جيدا أن الوسيلة المثلى للخروج من الوضع الحالي الذي تعيشه مصر وبناء النظام السياسي الجديد الذي يحقق أهداف الإخوان وفي الوقت نفسه يحافظ على مصالح الجيش، لن يكون سوى بالتحالف بينهما لأن الصدام سوف يؤدي إلى دخول البلاد في أتون حرب أهلية سوف تكون نتيجتها المباشرة آلاف القتلى، فضلا عن انهيار المؤسسة العسكرية المصرية تماما بعد انقسامها. ولا يحتاج العقل إلى كثير عناء ليعرف أن المجلس العسكري يحتاج إلى وصول قوة سياسية عاقلة منظمة إلى الحكم، حتى يستطيع التفاوض معها على تسليم السلطة وفقا لقواعد تحقق مصالحه ومصالح الوطن في الوقت نفسه. وقد تأكد الجيش أنه لا يوجد على الساحة المصرية الآن قوة سياسية تتصف بهذه الصفات سوى الإخوان المسلمين. أما السبب الثاني فيتعلق بالشعب المصري الذي قام بثورة عظيمة من أجل تحقيق أهدافه المتمثلة في بناء نظام جديد يقوم على مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان. وهو لن يتنازل عن هذا الهدف أبداً ولن يسمح لأي قوة سواء كانت الجيش أو غيرها، بمحاولة الانقضاض على الثورة أو إدخال البلاد في صراعات من أجل مصالحها الشخصية. ولعل الخروج غير المسبوق للجماهير المصرية في اللحظات الحاسمة من تاريخ الثورة مثل الخروج يوم 28 يناير الذي حول الانتفاضة إلى ثورة وأنجحها، وكذلك خروجه يوم الاستفتاء على التعديلات الدستورية، ثم خروجه الأخير بكثافة غير عادية في الانتخابات الجارية، خير دليل على ذلك. لهذه الأسباب ولأسباب أخرى أقل أهمية، فإن حديث الصدام بين المؤسسة العسكرية والإخوان هو مجرد أوهام تعشش في عقول وقلوب تيار لا يريد الخير لمصر.. فقط يريد تحقيق مصالحه في الوصول للحكم.. حتى لو كان الثمن إحراق مصر من أقصاها إلى أقصاها.