18 سبتمبر 2025
تسجيلعاش المواطنون التوانسة منذ الصيف على وقع أدبيات المسألة النسوية و أحيت بلادنا الذكرى الحادية والستين لسن قانون الأحوال الشخصية في 13 أغسطس 1956 و كعادة النخب السياسية تحولت أدق المعضلات الأسرية من ملف اجتماعي إلى ملف أيديولوجي وهو الانحراف الأخطر الذي يؤكد حالة (الانفصامية) الجماعية التي نتخبط فيها بل يعزز إيماني الشخصي أننا نعيش حالة نفاق مسكوت عنه و حالة توظيف انتخابي لمآسٍ أسرية عديدة يقع توظيفها من أجل غنائم سياسية ظرفية و أنانية. و أنا حين أستنتج هذه العبر فإنما بعد اطلاعي على الأرقام القياسية المفزعة التي ينشرها الديوان الوطني للعمران البشري أو الجمعيات ذات المصداقية على وسائل الإعلام لكن بدون أي تحليل علمي أو إنذار لتدهور حالة الأسرة التونسية وهو ما يثير الاستغراب فقضية تفكك نسيج عدد ليس بالهين من الأسر التونسية كان أوْلى أن يحظى بعناية علماء الاجتماع و خبراء القانون و رجال السياسة خاصة بعد أن ندرك أن نسبة الطلاق في تونس بلغت خط الخطر المحدق و يبدو أنها الأولى في العالم العربي و الإسلامي ! كما أن ميلاد 1500 طفل تونسي بدون والدين و خارج إطار الزوجية سنويا لم يثر جدلا و لم يطرح أسئلة ! أضف إلى ذلك عدد العوانس و المطلقات و الأرامل و عدد الأطفال الذين يعانون فواجع فترات الطلاق الطويلة المريرة التي معدلها ثلاث سنوات في أفضل الحالات (اسألوا القضاة الذين تضع كتابة المحكمة أمامهم مرتين في الأسبوع 500 ملف قضية طلاق و حضانة و نفقة..!) ثم لم أسمع محللا واحدا ربط بين تفكك الأسرة التونسية و بين ظاهرة الآلاف من شبابنا و مراهقينا الملتحقين ببؤر الإرهاب في سوريا و ليبيا و العراق أو مرتكبي جرائم الإرهاب في الداخل كأنما صم الجميع آذانهم و لم تبلغهم أخبار شباب تونس المغرر بهم و الذين يشكلون النصيب الأكبر (الكوتا الأهم) في كتائب داعش (10آلاف حسب بشار الأسد و 6آلاف حسب صديقي عبد الباري عطوان في كتابه عن داعش و 3 آلاف حسب السلطات التونسية !) على كل مهما اختلفت الإحصائيات فإن المؤسسات الأممية و الإقيمية تؤكد أننا التوانسة في القمة و نتفوق في هذا المجال المؤسف على السعوديين و الأفغان و الصوماليين!!! خذ مثلا حالة البنتين المراهقتين رحمة و غفران اللتين التحقتا بداعش نتيجة حالة طلاق والديهما التي أثرت على نفسية البنتين فقطعتا نحو المجهول ، و خذ مثلا وضع الضابط الذي قتل زملاءه في ثكنة بوشوشة وهو في حالة انهيار نتيجة طلاق عنيف حرمه من رؤية فلذة كبده و دخل السجن ، ثم خذ مثلا ذلك الرجل الذي قدمه نوفل الورتاني في برنامجه بعد أن قبض عليه و سجن نتيجة تهديده بتفجير نفسه بحزام ناسف مزيف مكون من علب مقرونة ! وهو لم يمكن من رؤية ابنتيه الصغيرتين منذ 8 سنوات بعد أن غادرته و غدرته زوجته و بقيت في إيطاليا مع عشيق ! الغريب أن منشط البرنامج تناسى المأساة الحقيقية و اقتصر على إثارة موضوع المقرونة لإضحاك الجمهور المسكين المغيب عن الفواجع ! ثم شاهدوا برنامج علاء الشابي في قناة فضائية و على محطة إذاعية لتكتشفوا يوميا مأساة أفدح من أختها. كل هذا و بعض النخب تتاجر بملف المرأة لأسباب أيديولوجية تصاعدية و أنا ما أزال أتساءل كيف يجتهد البعض في نص القرآن و يمتنعون عن الاجتهاد في مجلة الأحوال الشخصية !!! فالقرآن في نظرهم نص يمكن الاجتهاد فيه و لكن مجلة الأحوال الشخصية يعتبرونها (خطا أحمر) فهي النص المقدس لديهم بينما كل قانون هو كائن اجتماعي حي يتطور بتطور المجتمع و يتغير بتغيره كما يقول (كازامايور) أشهر فقهاء القانون. وجه النفاق الجماعي الآخر هو طمس معالم التاريخ التونسي الحديث حين يسكت الجميع عن الطريقة التي طلق بها الرئيس بورقيبة زوجتيه مفيدة ثم وسيلة دون حضورهما أو احترام الإجراءات التي سنها بورقيبة نفسه فقال لهما كما قال (سي السيد) "إذهبي فأنت طالق" و كذلك فعل من جاء بعده وهذه الانحرافات لم يندد بها أي من السياسيين أو رجال القضاء كأنما جعلت مجلة الأحوال الشخصية للبؤساء لا للرؤساء !! أعتقد بصدق أن إعادة الاعتبار للزوج و الأب و رئيس الأسرة يجب أن يدخل في برنامج "حكومة الحرب" الجديدة حتى نرى المجتمع كما هو لا كما يرغب المتأدلجون أن نراه ! الذي وقع منذ ستين عاما هو التحول من الطلاق بكلمة إلى استحالة الطلاق تماما و من غطرسة بعض الرجال ضد المرأة إلى طغيان المرأة ضد الزوج و اضطهاده. يعني أننا ذهبنا من الضد إلى الضد لا من الظلم إلى العدل.