12 سبتمبر 2025
تسجيللا حقيقة كاملة ولا خالصة في الإعلام، هناك دائما نقصان أو إضافة قادران على تغيير جوهر الحقيقة، وتجييرها لصالح أعدائها والمتضررين منها. هذا ما يتفق عليه كثيرون ممن عملوا في هذا المجال او من المتابعين له عن قرب. لكن الجديد أن كثيرا من وسائل الاعلام لم تكتف بانتقاص حجم الحقيقة او تغيير عنوانها وموضوعها بل ذهبت إلى أبعد من ذلك لتغيير الحقيقة كلها واستبدال النقيض بها مهما كان قاسيا او موجعا. وعندما لا تجد بديلا جاهزا أمامها لا تمانع في صناعته بهيئة كذبة او إشاعة بمواصفات عاطفية مثيرة للكثير من الدموع والدماء البريئة أيضا. في أحداث غزة الأخيرة، والعدوان الصهيوني على أهلها، انكشف الإعلام الغربي، والذي طالما آمن كثيرون به كمثال على الحياد والموضوعية والعدالة في التغطيات ونقل الأخبار وما وراءها، على حقيقته المستترة، وأظهر عجزا واضحا في الاستمرار بتمثيل دور المحايد مادامت «اسرائيل» الصهيونية تمثل أحد طرفي المعادلة! لقد اتضح الآن وبما لا يدع مجالا لشك أحد من المتابعين أنه إعلام كاذب ظالم ومزيف. ومع أن ما يبديه من انحياز واضح فاضح أقل بكثير مما تبديه وسائل إعلامية عربية وغير عربية في البلدان غير الامريكية والاوربية، الا أن المهم هنا هو مقدار الاثر وعمق الجرح. فقد صدق العالم لسنوات طويلة خدعة الاعلام الحر المحايد والذي يحتفي بالرأي والرأي الآخر، لإلحاح الخدعة وإتقان تنفيذها، وبالتالي فإن أي كذبة أو إشاعة يروجها هذا الاعلام على انها حقيقة سيكون من الصعب دحضها لاحقا من قبل المعنيين بالامر والقريبين منه، والعكس صحيح بالنسبة لإعلام دول ما يسمى بالعالم الثالث التي، ونتيجة سمعة تاريخية تتعلق بخضوعها لأنظمة حكم غير ديمقراطية في بلدانها، سيكون من الصعب عليها ترويج الحقيقة كما تراها وكما هي بالفعل. اذ سيتذكر الناس دائما تاريخها الطويل مع الحقيقة الناقصة لصالح الانظمة الديكتاتورية الحاكمة، مهما اجتهد مراسلوها وكتاب الرأي فيها! لكن يبدو أن أحداث غزة الاخيرة لم تكتف بتمهيد الطريق لقلب الصور النمطية في ما يتعلق بموازين القوى بين الكيان الصهيوني والفلسطينيين وحسب ولا بكشف المستور في أروقة صحف وتلفزيونات ووكالات أنباء أمريكا والغرب فقط، بل بدأت بفرز المواقف والأخبار والمادة كلها بأسلوبها الفريد في الفضح! كذبة رؤوس أطفال الصهاينة المقطوعة بأيدي رجال المقاومة الفلسطينية، في أذهان من رددها من هذه الوسائل الاعلامية الغربية على سبيل المثال كانت فاقعة الى الدرجة التي لم يتحمل أحد استمرارها أكثر من يوم واحد فقط، قبل ان يصحو العالم كله ليكتشف أن هذه الكذبة الكبيرة الحقيرة التي شارك بصناعتها وترويجها الرئيس الأمريكي بنفسه، في سابقة خطيرة، مجرد كذبة اعتذر منها بعضهم على استحياء حفظاً لماء الوجه وتمهيدا كما يبدو للمزيد من الكذبات، بعد أن أدت مفعولها الإعلامي عالميا وحققت الهدف الصارخ منها. ومثلها كذبات كثيرة بعضها انكشف ما أجبر صُناعها ومروجيها على الاعتذار الاضطراري الخجول عنها، وبعضها لم ينكشف بعد. والغريب أن هناك من بقي مصراً على استخدام تلك الكذبة بل والدفاع عنها واعتبارها حقيقة لا تقبل النقاش واتخاذها قاعدة لبناء مواقف أخلاقية عليه، حتى بعد انكشافها وتخلي صناعها عنها! فإذا كان هناك من يكذب ليتجمل يبدو أن هؤلاء يكذبون ليجملون الصهاينة! وتواتر مثل هذه الأخبار حري به أن يشككنا بكل خبر نقرأه أو نراه في مثل هذه الوسائل ما دام يصب في صالح الهدف السياسي العام بالنسبة لهم. فما زال الإعلام سلاح يسهل فساده وإفساده في واقع يعج بالكذب والزيف والخداع في السياسة والإعلام!