11 سبتمبر 2025

تسجيل

هل قرأنا الرسالة الأمريكية جيداً؟

16 أكتوبر 2016

لا شك أن عصرنا الراهن أنه عصر القوة والنفوذ والبقاء للإقوياء، وفق نظرية تشارلز داروين، أو البقاء للأصلح، وهذا يعني أن على الدول، الاعتماد على ذاتها، وعلى قوتها وقدرتها على احترام الآخرين لها ولسياستها واستقلالها وفق ما تمليه مصالحها، ومن خلال التعامل الندي ضمن الأسس والنظم التي تجعل بينها وبين الدول الأخرى مسافة معقولة في العلاقة البينية، ووفق الاحترام المتبادل والعلاقة المتكافئة، والولايات المتحدة، تحترم هذا المبدأ وتقدره، رغم أن بعض المواقف والسياسات، تتناقض كلية مع سياساتها وإستراتيجيها مع الكثير من الدول، ومن دول حلف الناتو، فبعد الثورة الإيرانية وسقوط الشاه، حصل خلاف شديد بين الولايات المتحدة وإيران، ووصل إلى حد إلقاء القبض على بعض أعضاء من السفارة الأمريكية في طهران، من نوفمبر1979، إلى عصرنا الراهن يناير 1981، وتمت تغطية أعينهم أمام وسائل الإعلام في مناسبات كثيرة، وأرسل الرئيس الأسبق الأمريكي جيمي كارتر، بعض الطائرات العسكرية السرية إلى لإيران لإنقاذ الرهائن في أبريل 1981، لكن المحاولة فشلت، وتحطمت الطائرات في الصحراء، وقتل عدد من الجنود الأمريكيين، كما حصل للقوات الأمريكية في بيروت، الحادثة الشهيرة في العملية الانتحارية، وقتل ما يقرب من 243، جنديا وملاحا من المارينز الأمريكية، واتهمت بعض الدوائر الأمريكية، الحرس الثوري الإيراني، أو المتعاطفين معهم بهذه العملية في لبنان، ومع كل الخلافات والتوتر، انتهت العلاقة بالاتفاق الشهير في مسقط العام المنصرم، وانتهى الخلاف القديم وطويت صفحته، وفي اعتقادي، لولا السلاح النووي الإيراني، كورقة سياسية ضاغطة من إيران، لما تم الاتفاق وانتهى الخلاف الذي استمر ما يزيد على ثلاثة عقود. وبعد تهديد الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن، بغزو العراق 2003، وتحقق ذلك بالفعل، فإن الحكومة التركية، وفي ظل برلمان يسيطر عليه أعضاء من حزب العدالة والتنمية، رفض السماح لقوات التحالف مع الولايات المتحدة بدخول العراق من الحدود التركية، واحترمت الولايات المتحدة هذه الرغبة، وقدرت هذا الحياد من الشعب التركي، وبقيت العلاقة بينهما قائمة وندية وقوية، والذي أقصده أن عالم اليوم عالم تقدير القوي، والثابت على سياساته وعلى احترام شعبه، بحيث لا تعتدي على الآخرين، ولا تقبل الضيم في حقوقها، ولا تجانب رغبة شعوبها فيما تراه أنسب لمصلحته واستقراره.والحقيقة أن صدور "قانون جاستا" ضد بعض الدول القريبة أو المتحالفة مع الولايات المتحدة تاريخيًا، يثير الارتياب والتوجس والقلق، حيث خص دولا بعينها، دون أن يتم التلويح لغيرها، رغم الخلافات والصراع الطويل بينهما، وهذا ما يجعل هذا الأمر محيرًا وغريبًا وصادمًا، قد يقول البعض، إن الولايات المتحدة دولة ديمقراطية، ودولة بها تعددية حزبية، وهذا قد لا يمثل سياسة بعض دوائر الحكم لا من قريب ولا من بعيد، لكنه يمثل بعض الدوائر الأخرى التي لها رؤى وتوجهات سياسية معينة، قد لا تتوافق مع السياسات الأمريكية الظاهرة، وربما تحمل إستراتيجيات أخرى اقتصادية كما يرى البعض، أريد بها الابتزاز والضغط، لمآرب أخرى. فالقانون، كما يقول الأستاذ زياد الحافظ "سلاح قد يشهر وقت الحاجة ويخمد عندما تقتضي السياسة العليا ذلك". لقد صرّح الرئيس الأمريكي باراك أوباما بأنه كانت تجري مفاوضات للتعويض على ذوي ضحايا أحداث سبتمبر 2001 بمثابة مليوني دولار لكل عائلة. وإذا كان عدد الضحايا 3000 كما يظهر في الإعلام فهذا يعني أن مجموع صفقة التعويضات تكون حوالي 6 مليارات دولار. هذا الموضوع يذكّرنا بالابتزاز الذي مورس على الحكومة ليبيا لتصفية قضية لوكربي. فعلى ما يبدو دفعت الحكومة الليبية ما يوازي ملياري دولار. فهذا القانون، كما يقول حافظ، الذي يمكن تعليق مفاعيله يبقى سيفا مسلّطا على كل جهة تريد الحكومة الأمريكية ابتزازها. وهنا نتكلّم عن مبالغ تفوق الستة مليارات كتعويض لضحايا أحداث سبتمبر 2001. فهناك كافة العمليات الإرهابية التي تحصل على الأراضي الأمريكية من قبل جهات متشدّدة أو التي تتبنّاها، والتي يمكن إلصاق تهمة تمويلها لأي دولة تختارها الإدارة الأمريكية. لا ننسى أن بعض المحاكم الأمريكية أصدرت أحكاما بحق مصارف عربية كالبنك العربي المحدود بتهمة تمويل العمليات الاستشهادية التي حصلت في الأراضي المحتلّة والتي سقط فيها مواطنون أمريكيون، وما أدّى إلى شلّ أعمال ذلك المصرف في الولايات المتحدة حتى التوقّف". إذن هذه السياسات كما يراها البعض هدفها الابتزاز، عندما يجدون أن الظرف مناسبا للتحرك من قبل هذه الدوائر التي لها مواقف مع بعض الدول فكرية وسياسية، مع أن هذا الموقف يضر بهذه الدول ويهز استقرارها المالي والنقدي دون مبرر مقبول، وحتى من الناحية القانونية البحتة، فإن هذا القانون، لو تم تطبيقه بصورة دون معايير مزدوجة، فإنه سيضر بالولايات المتحدة وهذا قاله حتى الرئيس أوباما، قبل أي دولة أخرى! والشواهد كثيرة ومتوافرة، لكن العقلاء في الولايات المتحدة، قد لا يسمحون بتطبيقه، لكنه ربما - وهذا جيدًا - أنه فتح الباب للمراجعة لكثير من دول العالم، للكثير من السياسات التي تجنبها، (رمي البيض كله في سلة واحدة)! فعالم اليوم هو لمن يختار طريقًا جيدًا ومتوازنًا ومتكئا على إمكاناته وقدراته المختلفة، ويضع خططه لما يراه أجدر بما يحقق مصلحته، قبل أي مصلحة أخرى، وهذا أيضا تحترمه كل الدول، بما فيها دولة (قانون جاستا)، الولايات المتحدة الأمريكية.. ولله الأمر من قبل ومن بعد.