12 سبتمبر 2025
تسجيلالنتائج السلبية للثورات العربية ربما تجعل الاستبداد نعمة عظيمة لم تحسن الشعوب العربية تقدير قيمتها، وحينما نجعل هذا الاستبداد ذا قيمة فمن المؤكد أن هناك خللا في العقل العربي وثغرات في فهمه للحرية والديمقراطية، وبالتالي فالخيار الأفضل هو ألا تنتفض أمة أو يثور شعب وإنما يتم القبول بالأمر الواقع ومحاولة تحسينه وإصلاحه وتطويره، فسوء الفهم العميق للحقوق والحريات وإشاعة السلطة لدى العامة أمور نظرية تضيع معها الدولة وهيبتها. كل الثورات العربية تصلح نماذج لانهيار الدولة وهيبتها واستقرارها، ولكني أتوقف عند الحالة الأخيرة في ليبيا ولعلنا نأسف ونأسى على هذا الحال بعد أن فرحنا وسعدنا بإزاحة الطاغية الذي استبد ولم يتبق بينه وإعلان ألوهيته على شعبه كما فعل فرعون إلا نذر يسير سبقته إليه الثورة الشعبية، ولكن ماذا كانت النتيجة؟ دولة مترهلة وغير مستقرة وشعب منقسم يحمل أغلبه السلاح ليقاتل بعضه، وحين يتم تشكيل مؤسسات الدولة والحكومة يتعرض ذلك للرفض ويحدث انزياح للاستقرار واحترام الدولة الجديدة. حادثة اختطاف رئيس الوزراء الليبي علي زيدان، تمثل تشويها لحصاد ومكاسب الثورة، وإعلانا سيئا لعدم الاستقرار ومراعاة اعتبار النظام السياسي الذي يعمل على تكوين الدولة الليبية، لا يمكن اختطاف رئيس الحكومة ببساطة والاحتفاظ بعوامل الاستقرار، قد يفعل آخرون يحملون السلاح ذات الأمر مع وزير الداخلية أو الدفاع أو المالية أو النفط حين لا يعجبهم قرار سيادي، المحاسبة لا تتم بهذه الصورة العشوائية والإجرامية. حين لا يحترم شعب سلطته مهما أخطأت حينها تشيع الفوضى وتترهل الدولة، وتبرير الرئيس زيدان لعملية اختطافه بأنها جاءت ضمن "المماحكات السياسية في ليبيا" ليس معقولا أو مقبولا وهو محاولة لتلطيف الجريمة والحفاظ على الاتزان السياسي، ذلك أمر قد يأتي في سياق داخلي حين يتم الجلوس مع القوى الليبية الداخلية وإنما في الإطار الدولي، فإن العالم يضحك على الشعب الليبي والجريمة التي يتم التعامل معها بنعومة ودبلوماسية بعيدا عن المسارات القانونية. ينبغي على الشعب الليبي أن يحترم مؤسساته ويحاسبها بمسؤولية من خلال النظم والأطر المعروفة، وليس بقوة السلاح وارتكاب جرائم بحق مسؤولي الدولة، لا يمكن أن يدفع الليبيون ثمنا باهظا من أجل إزاحة الطاغية ليكون حصادهم هذا التشويه القبيح لثورتهم، اعتقد أنهم بحاجة إلى مراجعة دقيقة لمسارهم السياسي والأخلاقي واحترام هيبة دولتهم الجديدة أو لن يجدوا دولة يمارسون فيها "المماحكات".