20 سبتمبر 2025

تسجيل

دور الفضائيات في تلميع علماء الدين

16 أكتوبر 2011

صناعة النجوم في الغرب مهمة صعبة تقوم بها وكالات خاصة تجني من ورائها أرباحا مهولة تنسيها صعوبة هذه المهمة، وما قد يعترضها من عراقيل لتلميع بعض الشخصيات، والفن هو المجال الأوسع الذي لا يحتاج إلى مهارات عالية، لأن أصحاب المواهب العادية يمكنهم أن يبرزوا ويحققوا نجاحا لافتا إذا توافرت لهم ظروف الشهرة، وهذا ما تقوم به الوكالات المختصة بهذه المهمة، ولا يخلو الوسط الرياضي من مثل هذه الجهود ولكن بشكل أقل، لأن الرياضة تعتمد على المهارات الشخصية التي لا يمكن لفاقديها أن يحققوا نجاحا يذكر، وإن برزوا لفترة من الزمن لكن بروزهم سرعان ما يزول عندما يكتشف افتقارهم إلى ما لا يضمن لهم النجاح من المواهب والقدرات والمهارات الذاتية، لذلك فإن وكالات صناعة النجوم تبحث عن المواهب الرياضة في كل مكان، واكتشاف إحدى هذه المواهب يعتبر كنزا لها، بعد ان تتعهده بالتدريب والصقل والتلميع ليكون أهلا للشهرة وجلب المال. في عالمنا العربي تقوم الفضائيات بهذه المهمة، وبفضلها استطاع بعض علماء الدين أن ينافسوا الفنانين والرياضيين في الشهرة، وخاصة أولئك الذين يملكون قدرا من (الكاريزما) الشخصية ذات التأثير على النفوس، فهي عامل جذب للمشاهدين خاصة إذا توافر لها علم غزير وفهم عميق لواقع الحال الذي يمر به عالمنا العربي والإسلامي، ليكون الاستيعاب واعيا لمشكلات وقضايا العصر وهموم الناس وتعقيدات الحياة، ومثل هؤلاء العلماء يدخلون إلى قلوب الناس سريعا ويحتلون مكانة كبيرة في نفوسهم، ليحظوا بالمحبة والتقدير، وقد كان الناس يبذلون جهودا في السعي لمن يفتيهم في أمر من أمور دينهم، لكن هذا أصبح أكثر يسرا وسهولة بالنسبة للجميع، وما على الباحث عن المعرفة بأمور دينه إلا أن يتصل بأحد هؤلاء العلماء ليجد عنده الجواب المطلوب. ومحبة الناس دليل على محبة الله، وإذا أحب الله عبده حبب الناس إليه، أو كما ورد في الأثر، فمحبة الناس وثقتهم دليل على الرضا الرباني، لكن ليس كل العلماء علماء، وليس كل من امتطى صهوة إحدى الفضائيات بقادر على الفتوى، وقد يتولى هذا الأمر من يثير الفتنة بين طوائف المسلمين سواء عن وعي أو عن غير وعي، ومثل هؤلاء يجب أن يمنعوا حتى وإن صنف أحدهم كعالم دين، ثم إن رجال العلم الشرعي هم أولا وأخيرا بشر، ينطبق عليهم ما ينطبق على غيرهم من احتمالات الصواب والخطأ، وهم غير مقدسين، وإن كان احترامهم واجبا، فإن التسليم المطلق بكل ما يقولون ليس واجبا، ومن يظهر عليه الجنوح الطائفي أو المذهبي، فهو غير أهل لأن يحتل منبرا جماهيريا يبث من خلاله أفكارا تدعو للفرقة والفتنة بين المسلمين، وخطورة الأمر تكمن في أن بعض علماء الدين قد أصبحوا نجوما عن طريق هذه الفضائيات وأصبح تأثيرهم جارفا على عقول الناس، وخاصة الجماهير المتعطشة للعلم بأمور الدين، وأي كلمة تصلهم من هؤلاء العلماء يعتبرونها جديرة بالتصديق والاتباع، دون تفكير بالعواقب، أو دون تقدير لما قد تنطوي عليه من شرور وأضرار بالفرد والمجتمع. واعتساف النص القرآني وتطويعه لمعان أخرى تجنح للغلو والتطرف والتكفير، أصبح أمرا سهلا بالنسبة لبعض علماء الدين الذين يحتلون شاشات بعض الفضائيات العربية، وهذا أمر خطير يتجاهل سماحة الدين الحنيف، كما يتجاهل اختلاف بعض الأئمة، في بعض المسائل، وهو اختلاف يعتبره المنصفون رحمة بالمسلمين، بعيدا عن الاقصاء والتجني لمجرد الاختلاف في الرأي. لقد أصبح بعض علماء الدين نجوما، والنجوم بصفة عامة ليست كلها تدل على الطريق الصحيح، ما لم يكن الإنسان على علم بمنازلها ومواقعها في سماء العلم والمعرفة. [email protected]