11 سبتمبر 2025
تسجيلكان النظام المتبع في طريقة التحفيظ في كُتاب القرية يسير على وتيرة معينة، وهي أن يحفظ الطفل الحروف الأبجدية مرتبة، ثم ضبط الحروف (ضم، فتح، كسر، وسكون) بعد ذلك كتابة أسماء الله الحسنى، بعدها سورة الفاتحة، الناس، الفلق......الخ. أي تكون البداية من نهاية المصحف، وكانت وسيلة التعلم لوحا من الخشب أو الصفيح، ويقوم الطفل بكتابة المطلوب من الآيات بعود من الحطب على هيئة قلم يغمس في الحبر ويكتب به في اللوح، ثم يقرؤها على سيدنا ويتم التصحيح له، ويظل يكرر حتى يحفظها، ثم يقوم بتسميعها، وفي اليوم التالي يقوم بتسميع ما كتب في وجهي اللوح والجزء المقرر من المحفوظ السابق، ويقوم بكتابة الآيات التالية بعد تصحيحها بالقراءة على مسامع سيدنا، ويظل يكرر ما كتب حتى يحفظه أمام سيدنا، وهكذا كل يوم. أما يوم الخميس من كل أسبوع فقد كان سيدنا يخصص جزءا منه ليسمع تجويد الأولاد، تدريبا لهم فكانت أصوات الأطفال تختلف بين الإتقان والتوسط والضعف، وقد كان المتعارف عليه في القرية ذلك الوقت - وهو من الخطأ الفاحش - أن الطالب لابد أن يشغل نفسه بشيء واحد، إما القرآن وإما الدراسة في المدرسة وخاصة إذا نجح في المرحلة الابتدائية وكان (الطفل) في ذلك يسوق من الحجج والبراهين ويستشهد بغيره من الطلاب الذين فعلوا ما يريد فعله، وأن الطالب لابد أن يشغل نفسه بشيء واحد فقط. واختار (الطفل) المدرسة حتى يتهرب من الكُتاب بدعوى أنه يعطله عن الدراسة، وقد كان! وعندما انقطع عن الذهاب إلى الكُتاب أحس بنسيم الحرية من وجهة نظره، وبدأ يلعب الكرة مع أقرانه في الشارع، فلم يعد يخاف عندما كان يرى (سيدنا) يسير في الشارع، ولا يترك لعب الكرة، ولا يختبئ منه، كما كان يفعل سابقا عندما يراه ولو من مكان بعيد! لم تكن طفولة (الكاتب) سعيدة كما يتمنى أي طفل، فقد كان يظل طوال السنة منهمكا في الدراسة في المدرسة والكُتاب وعندما يأتي الصيف لا يتمتع بالإجازة كغيره من أطفال المدن أو الأغنياء، أو أبناء الطبقة الراقية من الموظفين، وأصحاب الأملاك من الأعيان، وإنما كان هناك شيء بغيض جدا إلى نفوس أغلب الأطفال في الريف آنذاك، ألا وهو العمل في مقاومة دودة القطن في حقول الريف حيث العمل من الساعة الثامنة صباحا حتى السادسة قبيل المغرب تحت وهج الشمس المحرقة في شهور يونيو ويوليو وأغسطس وهذه البلوى لم ينج منها من الأطفال إلا النادر جدا!. وقد كان نظام العمل يقوم على أن يجمع الأولاد البيض الذي كان يسمى (اللطع) من أوراق القطن وجمعه في كيس كبير ثم حرقه في نهاية اليوم؛ لأن ترك هذا البيض، يعني فقسه وخروج الديدان منه التي تأكل الزهرة التي ستكون قطنا بعد ذلك.