14 سبتمبر 2025

تسجيل

ملايين البؤساء يجتاحون أوروبا!

16 سبتمبر 2015

يذكرنا المشهد المروع بالدراما الإغريقية والصورة التي حملتها وسائل الاتصال للعالم أصدق من آلاف المقالات والأشرطة تمثل الطفل السوري الملائكي إيلان الكردي ملقى على شاطئ تركي مهجور. أوروبا مجتاحة بأتم معاني الكلمة بمئات الآلاف وغدا بملايين المواطنين الهاربين من جحيم الحرب الطويلة ومن بؤس الجوع إلى جنة مؤقتة أو دائمة يتوفر فيها الأمن لهم ولأطفالهم ويغامرون مهما كان الثمن ملقين بأنفسهم في قوارب هشة هزيلة أو في مراكب السماسرة وتجار عذاب البشر في رهان عجيب أي مواجهة الهلاك غرقى أو النجاة والفوز باليابسة على أي أرض أوروبية ما تزال تعيش في رغد وأمان رغم أن بعض حكوماتها أسهمت في صناعة المأساة وتدخلت بجيوشها خدمة لمصالحها العاجلة ضاربة عرض الحائط بمصائر شعوب العرب والمسلمين متناسية أن هؤلاء البؤساء المتروكين لأقدارهم وفي مهب رياح الفوضى سيهبون يوما من فرط الجوع والخوف ليجتاحوا القارة التي هي أقرب إليهم ليس جغرافيا فقط بل وثقافيا ولغويا وتاريخيا لأنها كانت تستعمر أرضنا وتنهب خيراتنا وتفرض علينا ثقافتها وتصدر لنا سقط متاعها وتعلمنا كيف نتخلى عن ديننا ولغتنا وعريق تقاليدنا لنتحول إلى قرود ومسوخ ندافع عن (حداثتها وعلمانيتها)! هذا الأمر غفلت عنه أوروبا تحت حكومات يمينية بعضها عنصري صريح وبعضها متعصب يعتبر الإسلام إرهابا والمسلمين مشاريع أحزمة ناسفة! الغريب أن هذا الإجتياح توقعه وتكهن به بل وأصدر فيه كتابا رجل مفكر فرنسي كان أستاذنا في جامعة السربون وهو أكبر مستشرف علم اجتماع وديمغرافيا إسمه (ألفريد سوفي) وهو الذي ابتكر مصطلح (العالم الثالث). هذا الكتاب القيم العجيب ظفرت به في ركن من أركان مكتبتي في بيتي بباريس هذه الأيام وهو مكتوب عام 1985 وصدر عن دار النشر (دينولد) يمكن أن تقتنوه في ترجمته الأنجليزية (L'EUROPE SUBMERGEE.NORD-SUD DANS 30 ANS. ALFRED SAUVY) ((amazone.com. editions dunod parisهذا الكتاب الصادر منذ ثلاثين سنة بالضبط عنوانه (أوروبا المجتاحة. الجنوب سوف يجتاح الشمال بعد ثلاثين عاما) ويحلل أستاذنا نظريته تلك بإستشراف علمي موثق وبالأرقام والتوقعات كيف سنبلغ سنة (2015) ونشهد على موجات تسونامي بشرية قادمة من جنوب البحر الأبيض المتوسط تكتسح بقوة العدد وبمنطق الأمر الواقع سواحل أوروبا باحثة عن بصيص أمل في أمن فقدته في بلدانها وعن لقمة عيش استحالت تحت وابل القنابل والبراميل المتفجرة وهمجية الميليشيات. عجيب أن يستشرف أستاذنا (ألفريد سوفي) منذ 30 عاما ما يجري اليوم بعد 30 عاما بالضبط!! فها نحن نعيش اللحظة التاريخية التي نبه العالم لها وعزز استشرافه العلمي بالأرقام لا بالتنجيم قائلا في مقدمة كتابه ذاك أن تاريخ البشرية ما هو في نهاية الأمر سوى تعاقب هجرات كبرى أسبابها متشابهة فإما طبيعية مثل حالات الجفاف والقحط أو الجوائح مثل الزلازل وانفجار البراكين والفيضانات والأعاصير وانتشار الأوبئة وإما أسباب بشرية مثل الحروب والإبادات الجماعية وإذا تأملنا في تاريخ نشأة الولايات المتحدة الأمريكية نفسها فسندرك أنه تاريخ هجرات عملاقة بدأت عام 1492 مع (كريستوف كولمب) وتواصلت مع إعلان ميثاق الولايات المتحدة مع (جورج واشنطن) عام 1797 بعد مغامرات الهجرات الأوروبية نحو القارة الجديدة والحقيقة أن القارة لم تكن جديدة بل قام المهاجرون (غير الشرعيين) باستعمارها بعد أن أبادوا على مراحل سكانها الأصليين بدعوى أنهم (متوحشون! وبرابرة!!) فأطلق عليه القادمون من أوروبا نعت (الهنود الحمر) وفي الواقع هم ليسوا لا هنودا ولا حمرا! بل أمة أمنة لديها تقاليدها وتتعايش مع بعضها شعوبا وقبائل بأديانها العريقة وثقافاتها الأصيلة ولكنه منطق القوة والغطرسة والتعالي لدى الصليبيين البيض واعتبارهم الإجرامي بأن الأمم الأخرى المختلفة عنهم متوحشة والأوروبيون الغزاة هم المتوحشون ركبوا البحر وتركوا أوروبا البائسة بحثا عن الأراضي العذراء الخصبة والثروات المنجمية والذهب كما تصورهم لنا أفلام (الفار وست) من هوليوود إلى اليوم. هذه الهجرات غير الشرعية دشنت عصرنا الحديث بأشكال العبودية وعانت القارة الإفريقية قرونا بعد ذلك من القرصنة الأوروبية الصليبية حيث أرست آلاف البواخر من أوروبا وأمريكا لتختطف قبائل إفريقية كاملة وتوثقها بالسلاسل وتأخذ الأفارقة من رجال ونساء وأطفال كالحيوانات إلى حقول أمريكا عبيدا وتشهد على هذه الجرائم الفضيعة جزيرة (سان لويس) بالسينغال إلى اليوم!