30 أكتوبر 2025

تسجيل

الالتباس في مفهوم الإرهاب ومعاييره

16 سبتمبر 2014

لا شك أن مصطلح الإرهاب، كما تحدده المصطلحات السياسية، هو أسلوب من أساليب الصراع الدولي الذي يقع فيه ضحايا بصورة جزافية أو رمزية كهدف إيقاع أذى أو عنف فعال لطرف آخر، بدون أن يكون هدفا أسمى للعمل الإرهابي.لكن الإشكالية التي تسهم في غموض هذا المصطلح وجعله أكثر التباساً، هو عدم التفريق الدقيق بين الإرهاب كظاهرة عالمية، غير محدد بدولة أو بشعب أو بعقيدة، وبين كفاح الشعوب ونضالها لنيل حقوقها المشروعة في التحرير ومحاربة المحتل والمستعمر.. وهذه بلا شك قضية محورية يجب أن توضع في مكانها الصحيح، وتنضبط وفق مقاييس دقيقة وثابتة بعيداً عن الأهواء والميول والاتجاهات الأيديولوجية واختلافها.. فمصطلح الإرهاب يستخدم أحياناً بطريقة انتقائية وتلصق أحيانا على أعمال لا تندرج ضمن مفهوم التعريف المشار إليه آنفاً، وهذه مسألة تثير الارتياب في تعريفات بعض الدول للإرهاب ومنها الولايات المتحدة على وجه التحديد.ولا شك أن العمل الإرهابي في بعض أهدافه ـ كما يقول د/ منصور الزهراني ـ " يستهدف عادة تحقيق غايات سياسية، أو اقتصادية أو اجتماعية، وهو في ذلك يوجه إما إلى أشخاص أو إلى ممتلكات خاصة أو عامة. والإرهاب كما أنه عمل فردي يقوم به شخص أو مجموعة من الأشخاص، فإنه قد يكون سلوكاً حكومياً نظامياً وهو ما يسمى إرهاب دولة،فعلى سبيل المثال الإرهاب الإسرائيلي في احتلاله وجرائمه التي ارتكبت ضد العرب في فلسطين يعد أفظع أساليب الإرهاب في عصرنا الراهن، وهذا الإرهاب الإسرائيلي ربما يفوق الإرهاب القديم بما يملكه من وسائل حديثة ووحشية منذ منتصف القرن الماضي إلى الآنوليس أقوى داعم للإرهاب مثل تجاهل أسبابه الكامنة والموضوعية لقيامه وانتشاره في المجتمعات الحديثة، وخاصة في عصر الثورة المعلوماتية والعولمة، ونتيجة للفوارق الاقتصادية والاجتماعية، فإن التطرف والإرهاب سوف يعشش ويقتات من هذه السلبيات التي تزداد بازدياد أنظمته العالمية الجائرة والمجحفة في تعاملها الاقتصادي وفق النظرية الدارونية البقاء للأقوى "بدل البقاء للأصلح ! أيضاً من السلبيات التي تسهم في انتعاش الإرهاب قضية الازدواجية والمعايير في السياسة الدولية، والكيل بمكيالين عند التعاطي معها، والتي أصبحت ظاهرة تؤرق العالم، والشعور بالظلم إزاء بعض القضايا التي باتت تستعصي على الهضم والتقبل، مثل معاناة الشعب الفلسطيني والقتل العشوائي، والكوارث الإنسانية التي يلاقيها هذا الشعب من هذا الحصار الظالم والحصار... إلخ. والذي يدعو إلى الأسف أن مصطلح الإرهاب لا يزال ورقة يتلاعب بها الكثيرون ويتقاذفون بها كالكرة فيما بينهم، وكل يوصم الآخر بالإرهاب فالقضاء على أسباب الإرهاب خطوة إيجابية لدحره وتقزيمه ولو بصورة متدرجة، وهو في اعتقادنا أفضل الأساليب لاستئصاله من جذوره، وهذا الإرهاب لا نختلف جميعاً على رفضه ونبذه بكل أنواعه وصنوفه ومبرراته، لكن الأسباب الكامنة لعلاجه مسألة هامة للقضاء على الإرهاب. من هذه الأسباب، أن الكثير من المجتمعات في العالم تفتقر إلى الديمقراطية والتعددية السياسية وآلياتها في الاختيار الحر النزيه من خلال الانتخابات التشريعية، إلى جانب أن أحزمة الفقر وظروف الهجرة الكثيفة إلى المدن، وانتشار الأحياء العشوائية من أسباب انتشار التطرف الذي هو بلا شك محصلة أخيرة للإرهاب، كما أن عجز بعض السكان عن التكيف مع قيم المدينة الحديثة، وطريقة حياتها القائمة على المنفعة المادية البحتة، وافتقارها إلى الكثير من قيم المدن الصغيرة أسهم في الكثير من أسباب الاحتجاج والتطرف. هذه الأسباب اجتمعت مع أسباب أخرى وهي غياب العدالة، وازدواجية المعايير في القضايا السياسية، وغيرها من الأسباب المساهمة في بروز ظاهرة العنف والإرهاب، كظاهرة عالمية والتي تحتاج إلى التقييم والفهم والتعامل العادل.والمشكلة التي يجب طرحها أن الولايات المتحدة واجهت إرهاباً فظيعاً لم تكن تتوقعه بالصورة التي حدثت، وبدلاً من التروي والدراسة المتأنية لاتخاذ الرد على هذا الإرهاب المفاجئ، قامت بشن حرب على أفغانستان، لاحتضانها أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة المتهم بهذه التفجيرات في 11 سبتمبر 2001م، ثم أكملت ذلك باحتلال العراق، بعد تبريرات أصبحت في ذمة التاريخ، ومنها امتلاك النظام السابق! والغريب أن الولايات المتحدة لم تناقش بجدية قضية الكراهية التي تواجهها من غير الكثير من دول العالم في هذا العصر، فالكثير من أسباب الكراهية المرفوضة، ربما تزيد في معدلات الإرهاب وتناميه بصورة مضطرة والسؤال الذي يحتاج إلى أجوبة صريحة من العالم كله: لماذا لا يتساوى إرهاب شارون مع إرهاب أسامة بن لادن المشتبه به في تفجيرات نيويورك وواشنطن بنفس الوقفة والحدة والصرامة؟ فمن منهجية التعاطي المزدوج في مسألة الإرهاب تمثّل سابقة خطيرة على السلام والعدل والاستقرار، وإذا ما سكت العالم على الإرهاب بمعاييره ومقاييسه القائمة، فإن القضاء على الإرهاب سيكون كمن يحارب طواحين الهواء ـ كما فعلها دون كيشوت..