13 سبتمبر 2025
تسجيلامتطيت صهوة جواد البحر ركضت بالسواحل حالما بالعثور على مرفأ أتكئ عليه يحميني من كبوات الزمن الحالي من جوع وآهات وصرخات ودموع لا تتوقف عن الجريان من المآقي إلى الخدود وما بعد الخدود. قلت لمرافقي الجائع دوما: أي محروسة نريد؟ أي وطن نبغي لكي يحنو علينا يحتوينا يضمنا بين ذراعيه يأخذ بناصية أشواقنا فيدفع بها إلى دائرة الفعل؟ صمت مرافقي وكأنه لم يسمع صهيل الخيول الراكضة بالسواحل بدا لي مصابا بالصمم توقفت عن بث الأسئلة قلت ربما هو أوان الإجابات لكنني كنت عبثا أحلم. المحروسة يا رفيقي معذبة ببنيها زاخرة بالأشواق المكبوتة بالأحلام المجهضة بإهدار ثوراتها. حلمنا أن تخرج بنا ثورة الخامس والعشرون إلى زمن آخر فأدخلتنا في متاهات وأفق ضبابي بعد أكثر من عامين وجدنا أنفسنا تحت حكم ثيوقراطي يسعى للتمكين ينأى بنفسه عن أحوال الناس قالوا لنا نخبة الحكم الجدد الذين وضعوا فوق رؤوسهم عمائم وإن لم تكن ظاهرة فهي مستورة تحت القميص والجاكت والكرافت وربما الحديث بلكنات أجنبية في بعض الأحيان. وقبل ذلك تشظى الثوار وانقسموا فرادى وجماعات بلا حصر مما مكن القابضين على الأمر من دفعهم إلى التواري وفي بعض الحالات التلاشي فخمد الصوت الثوري بل ثمة من باع قضيته من أجل حفنة من الدولارات أو اليورو. ومن بعد ذلك قسمنا الرئيس السابق محمد مرسي بعد إعلانه الدستوري المشؤوم فانحشرنا في زاويتين أو فسطاطين أحدهما إسلامي الهوى والنزعة والنية والأحلام والثاني أغلب المصريين من ليبراليين وقوميين وناصريين وغيرهم من محبي المحروسة والمنتمين إليها فتمزقت أواصر الوطن وبتنا على شفا حرب أهلية نتيجة عدم استيعاب طاقة أهل المحروسة في التوحد والتكتل والاحتشاد الوطني. هل غياب قيادة لثورة يناير وربما مشروع محدد الملامح والقسمات هو الذي أفرز حالة الضبابية والمتاهة التي دخلت فيها المحروسة ولم ينقذها إلا ثورة الثلاثين من يونيو وهي بالمناسبة ليست بديلا عن ثورة الخامس والعشرين من يناير بل هي امتداد لها وتصحيح لمسارها وفي يقيني أن من يحاول أن يخصم من رصيد يناير لحساب يونيو فقط هو من ذلك الصنف الذي لا يجيد قراءة التاريخ ربما الجغرافيا ولا يمتلك القدرة على التماهي في شعب المحروسة والوقوف على حقيقة مراميه. فالشعب خرج في الثلاثين من يونيو عندما أدرك أن أهداف يناير تعرضت للإجهاض أو قل الاقتلاع من قبل فئات بعينها وأسهمت السلطة الجديدة التي جاءت في أعقاب فوز جماعة الإخوان المسلمين في تضييع ملامح هذه الأهداف وتمييعها على نحو جردها من كل محتوى وبدا لي - أنا المراقب عن كثب - أن ثمة عملية لإعادة إنتاج نظام الرئيس السابق محمد حسني مبارك وإن كانت بعباءة دينية وهي في الواقع كانت تهدف إلى تمكين الجماعة من مفاصل الدولة وليس تمكين الإسلام وثمة مسافة بين الجماعة والإسلام وبهذه المناسبة أقرأ حاليا كتابا بعنوان "سر المعبد "لأحد قيادات الجماعة السابقين وهو ثروت الخرباوي والذي أنشق عنها وهزني بعنف حجم ما كشف عنه من أسرار في إدارة شؤون الجماعة خاصة منذ إزاحة الجناح المعتدل والوسطي لصالح تكريس سلطة المجموعة القطبية التي سيطرت على مقاديرها على مدى العقدين الأخيرين وما فهمته هو أن الخرباوي يريد أن يقدم للقارئ والمتابع الجذور الحقيقية التي قادت الجماعة إلى مصيرها الحالي وهو أمر ربما يتطلب مقالا أو سلسلة من المقالات. على أي حال فإن ثورة الثلاثين من يونيو جاءت بزخم شعبي أكثر عمقا رأسيا وأفقيا من ثورة الخامس والعشرين من يناير وتم إعادة إنتاجها في السادس والعشرين من يوليو عندما خرجت الملايين لتفويض القيادة العسكرية لمحاربة الإرهاب والعنف المحتمل ولكنها تعرضت – أي ثورة يونيو – إلى تحديات لعل في مقدمتها دخول البلاد وربما لأول مرة في تاريخها الحديث في دائرة من العنف والعنف المضاد في القاهرة وفي العديد من المحافظات فضلا عن سيناء خاصة شمالها مما ألقى بقدر من الظلال على وقائع ما بعد الثلاثين من يونيو تجلى بشكل واضح في اللجوء إلى الدم سعيا لحسم الصراع الذي كان يستوجب أن يبقى في دائرة السياسة والحوار ولكن لمن تتحدث، فقد أريقت دماء من كل الأطراف ولست هنا في موضع توجيه اللوم عن المتسبب بيد أن المناخ الذي ساد بعد إزاحة الرئيس السابق محمد مرسي جعل العديد من المنتمين إليه يهددون بالسلاح وبل ويربط أحد قيادات الجماعة وهو الدكتور محمد البلتاجي بشكل عضوي بين قرار القائد العام للقوات المسلحة المصرية بإنهاء ما يطلق عليه الانقلاب العسكري وبين توقف الأعمال المسلحة في سيناء وهي إشارات مخيفة تنبئ عن عدم الدخول في دائرة الاستقرار في فترة زمنية وجيزة وهو ما يبدو واضحا من كمية ونوعيات العمليات المسلحة في سيناء والتي وإن كان الجيش المصري قادرا على التصدي لها إلا أنها تشكل استنزافا له وربما صرفا عن مهمته الرئيسية في حماية حدود وأركان الوطن. إن المحروسة تنادي كل بنيها من كل الاتجاهات والانتماءات بأن يعيدوا النظر في مجمل تصوراتهم للتعامل مع أزمتها بمنأى عن الصور النمطية لإعادة العافية إلى أهداف ثورتيها الخالدتين في يناير ويونيو وذلك يتطلب سرعة مبادرة قيادات جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة إلى إجراء مراجعة شاملة للفترة القصيرة التي حكموا فيها مصر ولم تتجاوز العام وصولا إلى تصورات جديدة تحافظ أولا على الجماعة وحزبها كفصيل وطني قادر على أن يشارك في بناء المحروسة على أسس حقيقية من الديمقراطية والمواطنة والعدل والمساواة واحترام حقوق الإنسان بعيدا عن اللجوء إلى العنف لتحقيق هدف أو فرض موقف. وفي الوقت نفسه فإن السلطة الانتقالية في المحروسة يتعين عليها أن تغادر منطقة شيطنة الجماعة والتي تكرست في الآونة الأخيرة على نحو لا يتسق مع محددات الديمقراطية مع الأخذ في الاعتبار معاقبة كل من يثبت لجوئه إلى العنف أو التحريض عليه فما رصدته هو قيام بعض النخب السياسية والإعلامية بشن حملة ممنهجة ضد الجماعة باعتبارها تجسد الشر كله وذلك أمر يتقاطع مع الطبيعة الحضارية للمحروسة وأوجه دعوة لزملائي في الإعلام المصري بالتوقف عن توظيف برامجهم لذبح الإخوان وحلفائهم فذلك من شأنه أن يعيد بعض السكينة للواقع المصري الذي مازال يكابد معضلات حياتية عدة لم تمكنه الحكومة الجديدة من مواجهتها وأخشى أن تتأخر في ذلك فتثير الغضب والحنق لأن الناس في بلادي يريدون من يتفاعل مع مشكلاتهم اليومية لا من يركز على القضايا الميتافزيقية مثلما خلال العام الذي حكم فيه مرسي والجماعة فهل تنتبه حكومة الدكتور حازم الببلاوي؟ أظنها بدأت بعض الخطوات لكن أهل المحروسة يرغبون في المزيد من الخطوات الفعالة والملموسة في أرض الواقع. السطر الأخير: هو بحر أم رحيل في المدى منحني حبورا وسكنا وقبولا وروحا وريحانا منحني الكتابة في عينيك أقيم فيهما ورغم ارتوائي من أنهارهما مازلت ظمآنا