15 سبتمبر 2025

تسجيل

8 سنوات على رحيل «محمود درويش»

16 أغسطس 2016

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); في 9 أغسطس 2008 همس محمود درويش وهو يصعد في رحلة الجسد الأخيرة «كان البنفسج لون الرحيلْ.. وكنتُ أميلُ مع الشمسِ.. يا أيّها الممكن المستحيلْ» ولم يسمع الهمس إلا أجهزة طبية عجزت حيال تمرده عن أن تمنح قلبه دقائق أخرى من النبض المسموع. لكن درويش كان قد أعد العدة، وحدثنا من قبل عن تفاصيل موته: «غبتُ قليلًا عن الوعي. متُّ. وصحتُ قبيلَ الوفاةِ القصيرةِ. إني أحبّك، هل أدخل الموت من قدميكِ؟ ومتُّ، ومتّ تمامًا، فما أهدأ الموت لولا بكاؤك! ما أهدأ الموت لولا يداكِ اللتان تدقّان صدري لأرجع من حيث متُّ. أحبك قبل الوفاةِ، وبعد الوفاةِ. وبينهما لم أُشاهد سوى وجه أمي». الشعراء عادة لا يموتون. يغيب الرجل، وتلك مأساة العائلة. يفني الجسد، وهي محنة شخصية، لكن «الشعراء» لا يموتون، «المتنبي» شاهد على هذا، و«محمود درويش» شاهد آخر. في صراع روحه وهي تطل على الكون من شرفة أخرى، مع سيف الموت، كان «درويش» واثقا من نصر الروح، مشفقا في الوقت نفسه من مجازفات استهانتها بالزمن على حساب جسد ترك الزمن بصماته بين خلاياه ندوبا وتجاعيد لهذا ترجل متطوعا عن جسد لم يعد قادرا على مواصلة الركض بشريان مترهل وجلطة دماغية. «درويش» الذي خاض تجربتي أداء غير مكتملتين مع الموت، أراد أن يكون عرضه الختامي متقنا، ليذهب أبعد من زهر اللوز، بعد أن لوح للجميع مودعا وهو يهتف بما ندرك الآن أنه كان وصيته: «وعلى شاعر آخر أن يتابع هذا السيناريو إلى آخره». كانت «تجربة الأداء» الأولى مع الموت في عام 1984، حين أصيب بنوبة قلبية استدعت جراحة عاجلة، توقف خلالها قلبه لمدة دقيقتين، قبل أن تعيده إلى النبض صدمة كهربائية. تجربة قال عنها الشاعر «شعرت بمليون نايٍ يمزق صدري». وقال الجسد: «استسلمتُ للموتِ، وشعرتُ بالألم فقط عندما عدتُ إلى الحياة». لكنهما معا ـ الشاعر والجسد ـ واصلا الألم والحياة، حتى بعد تجربة الأداء الثانية مع الموت، حين أجريت له جراحة أخرى في 1998. على أن التجربة الثانية صاغت العلاقة بالموت على نحو مختلف، عبر عنه الشاعر قائلا: «بعد هذا الغياب الطويل/ أُريدُ الرجوعَ فَقَطْ/ إلى لغتي في أقاصي الهديل». وقال عنه الجسد: «اكتشفت أمرا أصعب من الموت: فكرة الخلود، أن تكون خالدا هو العذاب الحقيقي». وبرغم أن هذه التجربة ذهبت بمتع الحياة الصغيرة «ليست لديّ مطالب شخصية من الحياة لأنني أعيش على زمان مستعار» فإن حياة درويش لم يتغير فيها شيء ذو بال «إنني مكرس لكتابة ما عليّ كتابته قبل أن أذهب إلى نهايتي». كان يدرك أن الشاعر وحده يمكنه أن يواصل حياة لا يعكر صفوها الخوف من الموت، وأنه «مكرس للكتابة»، أما الجسد فهو في «مهلة» بين موتين: موت انقضى، وموت لا يتيح لشجاعة الفارس كبرياء تأمله وحواره، وإن كانت الكبرياء تملك دائما شجاعة المواجهة والإقبال الحر على المعركة الأخيرة؛ ولهذا أوصى «درويش» قبل أن يخوض عرضه الختامي بنزع الأجهزة الطبية المعاونة عن جسده، فور أن ينصرف هذا الجسد عن الحياة.