14 سبتمبر 2025

تسجيل

أزمة الانقلاب والموقف الخارجي

16 أغسطس 2013

تطورات متسارعة شهدتها الأزمة السياسية التي تمر بها مصر بسبب الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس المنتخب محمد مرسي، خلال الساعات الماضية، على كافة المستويات المحلية والإقليمية والدولية. فعلى المستويين الإقليمي والدولي، تحركت العديد من دول العالم الفاعلة نحو محاولة إيجاد مخرج للأزمة في ظل الفشل الذريع الذي واجهه الانقلاب بسبب ثورة الشعب المصري ضده. كانت أبرز هذه الدول هي الولايات المتحدة، التي تشير المعلومات إلى أنها طرف أصيل في هذا الانقلاب، فقد شاركت في التخطيط والتنفيذ له بقيادة السفيرة الأمريكية في القاهرة آن باترسون. حيث أعلن وفد الكونغرس الأمريكي الذي زار القاهرة بالأمس عن توصيفه لما حدث في 3 يوليو الماضي بأنه انقلاب عسكري واضح، وهو تغير في موقف الولايات المتحدة التي كانت مترددة في الاعتراف بالانقلاب خشية افتضاح أمرها ودورها فيه وكذلك خشية الانصياع للقانون الأمريكي الذي يمنع الإدارة الأمريكية من تقديم أية معونات اقتصادية أو عسكرية لحكومة انقلابية، وهو ما كان يعني توقف تعاونها الإستراتيجي مع المؤسسة العسكرية المصرية التي تعتبر حجر الزاوية في السياسة الخارجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط. ولذا حاولت الإدارة الأمريكية المراوغة من خلال اتخاذ موقف وسط لا يعتبر ما حدث انقلابا ولكنه في الوقت نفسه لا يصفه باعتباره ثورة كتلك التي حدثت في 25 يناير 2011 وأطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك. لكن مع الصمود الأسطوري لمؤيدي الرئيس مرسي والذي بدأ منذ حوالي 40 يوما ولا يزال مستمرا، مما ترتب عليه إفشال الانقلاب ومنعه من السيطرة على مفاصل الدولة، فضلا عن حالة الشلل والانهيار التي أصابت الدولة المصرية بسبب هذه الأحداث، وهو ما يعني أن مصر تسير نحو فوضى عارمة ستؤثر على منطقة الشرق الأوسط وبالتالي على مصالح الولايات المتحدة الإستراتيجية وأهمها أمن إسرائيل وأمن طرق نقل البترول العربي. الأمر الذي أوجب على الإدارة الأمريكية التحرك من أجل حل الأزمة، خاصة مع إطلاق قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي نداء إلى واشنطن من أجل إنقاذه والتدخل لدى جماعة الإخوان المسلمين للضغط عليها للقبول بحل وسط. فجاء وفد الكونغرس الذي ضم جون ماكين وليندسي جراهام، اللذين أعلنا من القاهرة أن ما حدث انقلاب على رئيس منتخب، ودعيا المصريين إلى فتح صفحة جديدة تؤدي إلى انتخاب حكومة ديمقراطية تنهي هذا الانقلاب. ويبدو التحرك الأمريكي محاولة للملمة الموقف المنهار لحلفائها في القاهرة في ظل تلك التطورات التي تشي بأن عودة مرسي أصبحت قريبة جدا، خاصة في ظل موقف أوروبي داعم لهذه العودة بعد الزيارة المثيرة للجدل التي قامت بها كاثرين آشتون ممثلة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي مؤخرا. وكذلك الموقف التركي الداعم للرئيس مرسي والذي أعلن أكثر من مرة تمسكه بالرئيس المنتخب وبالمسار الديمقراطي المصري، بل إنه أعلن عن عقوبات اقتصادية وسياسية على مصر بسبب هذا الانقلاب. ومع هذا التطور في الموقف الأمريكي كان لا بد أن تتغير المواقف الإقليمية، فبعد ساعات من تصريحات ماكين وليندسي، دعا مستشار الملك السعودي، صدقة فاضل، في مداخلة على قناة الجزيرة، إلى عودة الرئيس مرسي إلى منصبه لممارسة سلطاته، معتبرا أن ما حدث هو انقلاب عسكري يجب إنهاؤه. وذلك رغم الموقف السعودي الداعم للانقلاب منذ اللحظة الأولى. وأضاف أن أولى نقاط التسوية في مصر حالياً تتمثل في عودة مرسي إلى منصبه ولو لفترة محددة حتى يتم إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، مشيراً إلى أنه من دون ذلك لن يكون هناك حل سلمي يرضي جميع الأطراف، ويحقق المصلحة العليا لمصر والأمة العربية. هذه التطورات في المواقف الإقليمية والدولية تعني أن الانقلاب العسكري فشل بشكل كامل، وأن هذه الدول تسعى إلى إيجاد مخرج آمن للانقلابيين يجنبهم المحاكمات العسكرية بتهمة الخيانة العظمى، فضلا عن منع الرئيس وأنصاره من الحصول على نصر كامل يعني في نهاية الأمر السيطرة التامة على الدولة المصرية والقضاء على الهيمنة الأمريكية على مواقع النفوذ داخل الدولة والتي مكنتها طوال عقود من تحويل مصر إلى مجرد حامي لمصالحها الإستراتيجية في المنطقة.