07 نوفمبر 2025

تسجيل

عاشقان.. أغرقتهما أمواج الأحزان!

16 أغسطس 2012

كانا عاشقين جميلين، وفارسين نبيلين، ورغم أنهما لا ينتميان لجيل واحد ولا لوطن عربي واحد، فإنهما كانا صديقين صادقين، وقد شهدت مدينة الزقازيق المصرية ميلاد أولهما يوم 3 مايو سنة 1931 أما ثانيهما فقد شهدت قرية البروة في فلسطين العربية ميلاده يوم 21 مارس سنة 1941 أي أن فارق العمر بينهما كان عشر سنوات، وقد رحل العاشق الأول عن عالمنا يوم 13 أغسطس سنة 1981 بينما احتضنت أرض رام الله الفلسطينية جسد العاشق الثاني بعد رحيله في نفس ذلك اليوم، ولكن بعد 27 سنة أي يوم 13 أغسطس سنة 2008 وإذا كنت قد أحببتهما معا، وسعدت بصحبة كل منهما، فإني أتذكرهما الآن معا بكل ما في القلب من حب ومن حزن. منذ تشكل وعيهما الإنساني، حمل العاشقان الجميلان أعباء الكلمة الجادة والصادقة، وما أصعب ما حملاه وهما ينطلقان وسط حشود المتلونين وطوفان الأكاذيب، وكان الهم الذي يؤرق كلا منهما أن تكون الحياة أجمل وأفضل، وأن يعيش الناس فيها متحابين، وهم ينطلقون في طرقاتها المتشعبة والمتنوعة، ومن هذا المنطلق يقول العاشق الأول: إن عذاب الإنسان الأكبر هو الفقر، ولكن الفقر ليس ناتجا من سوء توزيع الثروة فحسب، ولكنه ناتج من سوء توزيع الإنسانية، أما العاشق الثاني فإنه يؤكد على شرط تحقق الجدوى من الكلمة:  قصائدنا بلا لون.. بلا طعم.. بلا صوت  إذا لم تحمل المصباح من بيت إلى بيت وحين يشير العاشق الأول إلى ما يحبه وما يكرهه، نسمعه يقول: إن أعظم الفضائل عندي هي الصدق والحرية والعدالة، وأخبث الرذائل هي الكذب والطغيان والظلم، وقد أدرك العاشق الثاني كل هذا إدراكا حياتيا في ظل غياب العدالة، وهو الغياب الذي أفقده وطنه بعد أن سرقه منه الصهاينة المتجبرون، وهكذا ظل يتجاوب مع بكاء الكمنجات حين تتساقط دمعاتها وإيقاعاتها في أعماق روحه وقلبه:  الكمنجات تبكي مع الغجر الذاهبين إلى الأندلس  الكمنجات تبكي على العرب الخارجين من الأندلس  الكمنجات تبكي على زمن ضائع لا يعود  الكمنجات تبكي على وطن ضائع قد يعود حقا.. إن ما مضى من زمان لا يعود، لكن الحلم الشاحب الذي حاول هذا العاشق الجميل أن يتشبث به هو الحلم بأن الوطن – وطنه - قد يعود، لكن هذا الحلم الشاحب – بكل أسف – ظل يزداد شحوبا مع مرور الزمان الذي يمرق كالبرق، دون أن يعود ولو في الخيال!. على امتداد حياة كل منهما، ظل العاشقان الجميلان يحلمان، وظلت صخور الواقع العربي المهين تتساقط – صخرة تلو أخرى – لتفتت الأحلام، وهكذا رحل كل منهما بعد أن أغرقتهما أمواج الأحزان.. رحل العاشق الأول – صلاح عبدالصبور- منذ إحدى وثلاثين سنة، بينما تتردد صيحاته: هذا زمن الحق الضائع... رعب أكبر من هذا سوف يجيء، كما رحل العاشق الثاني – محمود درويش - منذ أربع سنوات، دون أن يتجدد حلمه الشاحب بوطن ضائع، لكنه قد يعود!.