15 سبتمبر 2025
تسجيلذلك البلد الإفريقي المسلم الذي يراوح مكانه منذ عقود طويلة في وحل الحروب الأهلية ومآسي المجاعات والجفاف والأرواح التي يحصدها الجوع والعطش، وسط عالم يشكو من التخمة! بربكم.. وأسألكم أن تجيبوني بصراحة! لماذا الآن؟!.. لماذا الآن تتصدر الصومال قائمة اهتمام الحكومات الخليجية والعربية والجمعيات الخيرية المنتشرة في العالم العربي بعد أن كان اسم الصومال يتذيل هذه القائمة وربما كان يسقط سهواً أو عمداً لا يهم؟! ما الذي اختلف الآن ليكون أطفال وأمهات الصومال في أولويات أموالنا ودعائنا وأخبارنا بل ودموعنا وتعاطفنا؟!.. هل هو رمضان الذي حنن النفوس وكسر جمود القلوب وأسال الدموع وذكرنا بهذا البلد المنضم شكلاً للمنظومة العربية والمنبوذ ضمناً من اهتماماتها ومساعداتها؟!.. إن كان هذا هو السبب فلله دُرّك يا أيها الشهر العظيم، فقد استطعت أن تفعل ما لم يقدر عليه أحد عشر شهراً!.. يا لخستنا وبخسنا! فمنذ أن وعيت على هذه الدنيا واستطعمت الحليب بكل ألوانه وأطيابه وأنا أسمع إن الطفل الصومالي لا يجد حليباً حتى في ثديي أمه!.. ومنذ أن بدأت في الإبحار في تتبع أخبار السياسة وكان ذلك من وقت مبكر في الحقيقة، والصومال يتناحر لأجل لا شيء! ومنذ ذلك الحين وحتى هذه اللحظة لا أعرف ما سر الحروب الأهلية ولماذا هذا القتال الذي نهب الشعب قوته وقوته وعافيته وحياته، ومازلت أجهل إن كان الرئيس الصومالي شخصاً حقيقياً أم أخبار صحف لإعطاء هذا البلد اعترافاً جغرافياً بوجوده على خريطة الوطن العربي!.. ومنذ ذلك الوقت وأنا أرسم خريطة العالم العربي ولا يمكن أن أنسى خطوط الطول والعرض لهذه الدولة التي تمتد مثل اللسان الممتد من فم الجسد العربي الكبير!. والآن أسأل مرة أخرى.. متى سنذكر الصومال مرة أخرى؟!.. فلابد أن ننساها هكذا تعودنا وهكذا عودتنا حكوماتنا العربية ووسائل إعلامها الحكومية وغير الحكومية، على زرع مفهوم: إن الإنسان من النسيان حقاً!. فهل يعقل أن نكون في الألفية الثالثة ولا يزال بلد كبير يموت شعبه من الجوع في الوقت الذي يموت الملايين من التخمة ومن أمراض السمنة؟!.. وهل يعقل أن تتجه ملياراتنا الخليجية والعربية لتعمير الدول السياحية التي تعرف كيف تؤكل الكتف الخليجي وتسلب منا خيراتنا لصبها في قنواتها، بينما نعجز بمليار واحد من هذه المليارات في تغذية بل إحياء شريان الحياة لأطفال ونساء وشيوخ الصومال؟!!.. هل يعقل أن نستميت جهداً وعرقاً ومالاً في استضافة مؤتمرات عالمية للغذاء، وبيننا في عالمنا العربي من يموت جوعاً، وتجد الأمهات فيه خيارات صعبة في اختيار أحد من أطفالها ليعيش بينما على الباقين أن يموتوا فالغذاء الشحيح الذي تملكه لا يكفي طيراً، فكيف ببطون صغار أتَوا لهذه الدنيا ليعيشوا وليس ليخرجوا من أرحام ضيقة ويدخلون لحوداً مظلمة؟!.. يا لخستنا!.. إن كنا نذكر لننسى!! وننسى لنتجاهل!! ونتجاهل ليأخذنا الغلو في نفوسنا المتخمة بلهو هذه الدنيا!!.. وما أثارني فعلاً وأدعو الله أن يغفر لنا كبائر أفعالنا تجاه هذا البلد المسلم، أن أرى أطفال غزة يجمعون تبرعات لأجل الصومال في هذا الشهر الفضيل!.. والله والله والله إن موتنا أشرف من هذه العيشة المخجلة!.. غزة التي نالت هي الأخرى حملات تبرعات مليارية لا عدد ولا مد ولا حد لها ومع ذلك فهي القطاع العربي الفلسطيني المحاصر منذ عام 2007 ولا يلقى الحليب والغذاء والدواء إلا عبر الأنفاق السرية التي تسهم مصر في سدها وردمها وقطع الإمدادات من خلالها، ولم تلق حتى قرشاً أحمر يسد جوعها!.. ومع ذلك فهي تجمع تبرعات لأجل الصومال!.. طبعاً فمن عليه أن يشم رائحة الموت في الأجواء إلا من يتنفسها يومياً وتحصد من أرواح أبنائه الكثير!.. ألا نخجل وندعو الله أن يغفر لنا انتحارنا الذي يبدو أخف عقاب لمواراة ومداراة الخجل الذي يجب أن يحيل الشيء المسمى بالدم في عروقنا إلى شيء يفور مثل البركان، وليته يساعد أيضاً في تكفير آثامنا؟!.. أمة على بكر أبيها تموت على مدار عقود طويلة وفجأة نأتيها في الوقت الضائع لنسجل مواقف بطولة.. في الوقت الذي تبدو المقابر أكثر من البشر على أرضها ويستبسل منا من يستنهض هذه الأمة لإنقاذ الصومال وكفالة أيتامها.. فأين صوتك يا هذا منذ سنة وأين هو صوتك بعد أن يأفل هذا الشهر الكريم عنا؟!.. أعلم أن الرد سيأتي لي سريعاً في: أن تفعل شيئاً خير من ألا تفعل أبداً.. وردي الأسرع سيكون وهل يغني شهر ما بخلت به عقود طويلة مريرة؟!.. بل وماذا بعد هذه اليقظة المؤقتة؟!.. لا تنسوا العام القادم في شهر رمضان ـ بلغني وإياكم إياه بإذن الله ـ سأكتب بنفس الموضوع، وربما كررت مقالي هذا!! وهل أختلف أنا عن باقي (الأصنام العربية) في التناحة، وموت الشعور والضمير الذي يستيقظ شهراً، ويبقى في الإنعاش أحد عشر شهراً يسعى الجميع بإمداده بالغذاء والماء ليبقى هكذا ميتاً حياً!. فاصلة أخيرة: "وبشـر الصَّـابرين " يارب.. بُشراك!