18 سبتمبر 2025
تسجيلالرئيس العراقي فؤاد معصوم وهو الغائب عن مسرح السياسة العراقية بشكل فعلي ويقضي أغلب أوقاته في معالجة أمراض الشيخوخة خارج العراق كسلفه السابق جلال الطالباني، لم يجد مناسبة يؤكد حضوره فيها إلا بالمصادقة والتوقيع على تنفيذ أحكام الإعدام بحق المئات من المتهمين بقضايا إرهاب، بعد تصاعد مطالبات عصابات الحشد الطائفي وضغوطها القوية بتنفيذ أحكام الإعدام المؤجلة والمباشرة بتنظيف المعتقلات العراقية في الناصرية وغيرها من المحكومين بالإعدام الذين ينتظرون تنفيذ أحكام الإعدام الصادرة منذ سنوات عدة ولم يتم تنفيذها لإجراءات وأسباب مختلفة. وكان السبب المركزي لتصاعد دعوات الميليشيات لتنفيذ الأحكام هو التفجيرات الإرهابية الأخيرة الموجعة في حي الكرادة البغدادي والتي أبرزت السطوة الكبيرة لميليشيات الطوائف والحشد على محاور السلطة، وأنتجت تهديدات قوية وخطيرة تصادر سلطة الدولة بعد أن أعلن كل من الشيخين قيس الخزعلي زعيم عصابة العصائب، وآوس الخفاجي زعيم عصابة أبي الفضل عن عزم عصابتيهما اقتحام سجن الناصرية وتنفيذ أحكام الإعدام بالعناصر المحكوم عليها بعيدا عن سطوة الدولة، وهو تصرف همجي أحمق لا يعبر عن أدنى احترام لهيبة الدولة والحكومة ولا يقيم وزنا لأبسط المستلزمات القانونية المرعية والمعروفة!، كما أنه انقلاب علني على سلطة الدولة المركزية والحكومة المنبثقة من البرلمان وإعلان رسمي لسلطة الميليشيات والدخول في لجة الفوضى الشاملة، فالإرهاب المتنقل لا يحارب بأفعال انتقامية ذات أبعاد طائفية رثة واضحة المعالم، ثم إن من يقوم بإشعال الساحة وإشغالها بالعمليات الإرهابية الكريهة لا يشترط أبدًا أن يكون من مكون طائفي معين، بل إن أدوات وأجهزة استخبارية إقليمية عديدة تعمل بنشاط في هذا الملف الشائك، بل إنني لا أستبعد إن لم أكن أجزم بأن الانهيار الأمني العراقي وتكرار الجرائم الإرهابية هو أكثر ما يسعد العصابات والفرق الطائفية التي تحاول استغلال ما يحدث للسطوة والسيطرة على السلطة وتحويل العراق لنسخة مقيتة ورديئة للدولة الدينية الطائفية المرتبطة بمرجعيتها وقيادتها الإيرانية. لقد فشلت كل جهود الميليشيات ومن يقف خلفها من إعلان وإشهار (مؤسسة الحرس الثوري العراقي) التي هي بمثابة ظلال باهتة وفرعية وتابعة للمؤسسة الأم (سباه باسداران انقلاب إسلامي إيران)! أي مؤسسة الحرس الثوري الإيرانية، واليوم لا تمتلك العصابات الطائفية بعد أن تطور الصراع الداخلي بين الفرقاء الطائفيين من خيار سوى محاولة تصعيد المواجهة والمساهمة في كرنفالات وحفلات إعدام همجية واسعة تكون مدخلا لإثارة فوضى عراقية شاملة تختلط فيها كل الأوراق وتكون مدخلا لإسقاط الحكومة وإعلان السلطة البديلة، سلطة الميليشيات المتوحشة الرثة التي يراد لها أن تسود من أجل إمرار أخطر مخطط تقسيمي لن تقتصر آثاره على العراق فقط بل ستمتد لعموم المنطقة، وهو مخطط التدمير والتغيير الديموغرافي الطائفي الممهد لتمزيق المنطقة وإدخالها في أتون حروب جهنمية داخلية!، من المؤسف حقا أن تخضع الدولة لمنطق العصابات الوقحة وأن تدير بنفسها حفلا كريها لإعدامات جماعية شاملة في زمن يتحرك فيه المجتمع الدولي لتقليص عقوبة الإعدام واستبدالها بأحكام ووسائل أكثر نجاعة!، والرئيس العراقي صاحب السلطات الفخرية المحدودة سيتحمل مسؤولية قانونية وأخلاقية كبرى إن مشى خلف صيحات الثأر التي لن تنتهي أبدًا بل ستجعل العراق وقد جعلته فعلا ساحة تاريخية لأخذ الثأر لمختلف الملل والنحل والطوائف والأعراق؟ ما يحدث في العراق على أيدي نخبة السياسة الفاشلة وقياداته الرثة هو بمثابة كوميديا سوداء تعبر عن أفظع حالات التراجع الحضاري والانحدار السياسي، فحينما تخضع النخب لشعارات وخيارات فئات مهزومة مريضة وطائفية متخلفة فإن في ذلك إعلان صريح بسقوط وتهاوي كل أركان الدولة والمجتمع..مناظر الجثث البشرية المعلقة والمتدلية من حبال المشانق لن يأتي بالحل السياسي ولن يوفر الهدوء ولن يمنع الإرهاب، بل سيخلق تيارات إرهابية أشد تطرفا وسيكون الهول وبشاعة الانتقام شاملا تسد معه كل الحلول الممكنة وتحفر وللأبد أخاديد الاستقطاب والتقسيم الطائفي، لحظات صعبة يعيشها العراق والشرق وهو على أبواب أكبر مجزرة مشانق شاملة في التاريخ العربي المعاصر!!. فتأملوا يا أولي الألباب!