16 سبتمبر 2025
تسجيلمن ينظر في واقع المسلمين اليوم، وكان له قلب ألقى الله فيه الإسلام والإيمان، لا جرم أنه سيصيبه من الحزن والأسى، والألم والكمد، ما يدمي قلبه ويحرق كبده ويقض مضجعه، على ما آلت إليه أحوالهم في مختلف مجتمعاتهم، على صعيد الأفراد والأسر والجماعات، من مثل الفرقة والتخاصم والهجر والتباغض وفراغ القلوب من المودة والألفة والخيانة بالقول والفعل ...الخ، وما ذاك إلا لأنهم ضيعوا حقوق بعضهم على بعض، التي أوجبها الله عليهم، وأكد على أهميتها في شرعه وحثهم على آدائها، كما أن له تعالى حقوقاً فرضها على عليهم، تمثل عبوديتهم وخضوعهم له جل وعلا . وأهم هذه الحقوق وآكدها وأعظمها خطراً وأجلها قدراً، (النصيحة)، فإن النبي عليه الصلاة والسلام، كان يبايع أصحابه على النصح لكل مسلم، بعد إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، فلم نبالغ ونبعد عندما قلنا أنها فريضة، فقد جعلها النبي في المرتبة الثالثة بعد فريضتي الصلاة والزكاة، وهذا ترتيب أهمية، ويتضح ذلك جلياً في قول النبي عليه الصلاة والسلام :(الدين النصيحة)، وهي جملة إسمية، مكونة من مبتدأ وخبر، أخبر بها النبي عن الدين بالنصيحة، ويدل معنى هذا الإخبار على أن النصيحة (عماد الدين وقوامه)، كما قال العلماء، وأنها ركن ركين، وأصل أصيل في الدين، وهذا هو الأسلوب النبوي في استخدام الجملة الإسمية، لإثبات شيءٍ لشيء، كمثل قوله عليه الصلاة والسلام:(الحج عرفة)، أي أن الوقوف بعرفة، ركن لا بد منه لصحة الحج . والحكمة من مشروعية النصيحة هو تقويم النفس، بإصلاح عيوبها، ومعالجة أخطائها، وإكمال نواقصها، وزيادة محاسنها، لتصبح نفساً زكية، لكن لابد أولاً من معرفة هذه العيوب، ولمّا كان الإنسان مفتتنًا بنفسه، وبكل ما يصدر عنها من عمل أو قول، يكثر ذهوله عن مثالب وسيئات نفسه، بل قد يراها أحياناً حسنات، لذا فهو في حاجة إلى من يبصره بموضع الخلل والزلل من نفسه، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام:(إن أحدكم مرآة أخيه، فإذا رأى به أذى فليمطه عنه). وانظر وتأمل في عظم الحب والأخوة في الله، المتجسدة في قول النبي: (فليمطه عنه) بلام الأمر والضمير العائد على الأخ الذي يرى الأذى في أخيه، ولم يقل (ليميطه عنه) بلام التعليل، ويكون الضمير بذا عائداً على من به الأذى، ولله كم في ذلك من رحمة ومودة !!!، لذا قال الله تعالى :(إنما المؤمنون إخوة). الحديث ذو شجون، لا تزال له بقية ، نكملها غداً بمشيئة الله تعالى، والسلام ختام.