18 سبتمبر 2025
تسجيلتعتبر الولايات المتحدة الأمريكية من أكثر بلدان العالم استخداما للمقاطعة الاقتصادية لتحقيق أهداف سياسية وإستراتيجية، إلا أن معظم هذه المحاولات واجهتها صعوبات بالغة، إما بسبب عدم جدية واشنطن في فرض هذه العقوبات أو بسبب عدم نضوج الظروف الخاصة بنجاحها لوجود البدائل التي تقلل من أهميتها. وتعد العقوبات الأمريكية المفروضة على كوبا والمستمرة منذ أكثر من خمسين عاما من أشهر هذه العقوبات والتي كان آخرها تلك المفروضة على إيران، وبالأخص على صادرات النفط الإيرانية والتي أثرت في البداية في حجم الصادرات وأدت إلى تدهور الاقتصاد الإيراني وانهيار عملته الوطنية " التومان ". وبغض النظر عن إيجابية العقوبات أو سلبيتها من وجهات النظر المتعددة، إلا أن متابعة تطورها تشير إلى أنها تدخل ضمن عملية الشد والجذب بين واشنطن وطهران، وفقا لتطور مفاوضات برنامج إيران النووي من جهة وتطور الأحداث في منطقة الشرق الأوسط من جهة أخرى، مما يضع موضع الشك فعالية هذه المقاطعة. ففي البداية أصدر البيت الأبيض قرارا يعاقب فيه مستوردي النفط الإيراني، حيث أدى ذلك إلى التزام معظم الدول بالمقاطعة وانخفاض صادرات النفط من إيران بنسبة 50%، مما ترك آثارا شديدة على الاقتصاد وهددت معه طهران بإغلاق مضيق هرمز إذا ما توقفت صادراتها. ونتيجة لذلك انخفضت واردات اليابان من النفط الإيراني بنسبة 50% والصين والهند وكوريا الجنوبية بنسبة تتراوح ما بين 25- 30%، وهي البلدان الرئيسية المستوردة من إيران، إلا أن ارتفاع الأسعار أدى إلى التأقلم مع هذا التراجع، وذلك رغم تداعياته المؤلمة. حدث ذلك في الوقت الذي فشلت فيه مفاوضات 5+1 حول البرنامج النووي وازدادت فيه نفقات إيران العسكرية، وبالأخص بعد زيادة تورطها في النزاع السوري الداخلي وتمويلها لعمليات "حزب الله" اللبناني وتعويض النظام السوري عن الخسائر الكبيرة التي تعرض لها نتيجة للحرب الأهلية هناك، هذا عدا تورطها في نزاعات إقليمية أخرى، كاليمن ودعمها لمنظمات موالية لها في بلدان الخليج العربي. في ظل هذا التدهور في الأوضاع المالية الإيرانية استثنت الولايات المتحدة العام الماضي الصين والهند، وهما من أكبر مستوردي النفط الإيراني من العقوبات، تلتها بقرار آخر يقضي باستثناء عشرة بلدان آسيوية من بينها كوريا الجنوبية وماليزيا وسنغافورة من مقاطعة النفط الإيراني، مما يعني أن قرار المقاطعة الأمريكية ألغي من الناحية العملية، إذ أن هذه البلدان تستورد أكثر من 65% من صادرات النفط الإيرانية. وفي الشهر الماضي استثنت الولايات المتحدة صادراتها لإيران من بعض أنواع التقنيات الحديثة، وهو أمر آخر يضع جدية هذه المقاطعة على المحك، إذ يتزامن ذلك أيضاً مع جولة الانتخابات الرئاسية الإيرانية، مما يضع العديد من علامات الاستفهام حول جدوى هذه المقاطعة التي تثار من حولها ضجة إعلامية كبيرة. وبالإضافة إلى الجوانب السياسية والمساومات الخاصة بالمقاطعة الاقتصادية، فإن هناك مافيات السوق السوداء والتي تستفيد من عمليات تهريب النفط والمنتجات النفطية عبر بلدان أخرى ومن خلال شركات تجني أرباحا طائلة من وراء عمليات التهريب بغض النظر عن تفاوت مواقفها السياسية والتي قد تصل لحد العداء. فبعد غزو الكويت ومقاطعة النفط العراقي أسس نجلا رئيسا البلدين في التسعينيات، شركة مشتركة لتهريب النفط العراقي وتصديره عبر إيران رغم العداء المستحكم بين البلدين في ذلك الوقت. من هنا لا يمكن التعويل كثيرا على المقاطعات الاقتصادية، فهناك مساومات سياسية وأخرى تتعلق بالمصالح والمضاربات وعمليات التهريب التي تجمع الأعداء بفضل تلاقي المصالح الهائلة التي تدار ببراجماتية لا تعترف بغير سطوة المال وتعظيم المكاسب والأرباح.