31 أكتوبر 2025
تسجيلإن بناء المجتمع القوي يحتاج أن تقوم أسسه على قواعد متينة مستمدة من كتاب الله -تعالى- وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، وقد علمنا الهدي الحنيف مقومات الإنسان الإيجابي التي تعمل على بناء الشخصية المسلمة بناء سليما وأن تبنى على تلك المثل النبيلة التي عمل الإسلام على تكوينها وتنميتها لدى الإنسان الذي يحمل رسالته في الحياة، فقد سلك القرآن الكريم أبرع أسلوب في دفع النفس الإنسانية إلى ذلك المرتقى العالي الصعب إذ بين لنا عبر آياته البينات أهمية التحلي والتزين بأحسن الأخلاق، فعلى قدر رغبة الإنسان في مكارم الأخلاق يكون إيثاره وعطاؤه وذلك بالتعود على الجود، ورعاية الحقوق حق رعايتها والرغبة في الجزاء على الأعمال الطيبة في الآخرة وتعويد النفس على تحمل الشدائد والصعاب، فإن سمة الإيثار متعلقة بسمات كثيرة أخرى مثل سعة الصدر والرأفة بالناس والبعد عن الكبر وترك الغل وصفاء السريرة بدءا من المجتمع الكبير، فإنه لا تتوفر الطمأنينة والأمان والاستقرار إلا في مجتمعات يتوفر فيها الإيثار، "فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين" فهذه معاني قرآنية محكمة من أصول الدين تدل على أخلاقه الإسلامية الأصيلة التي شرعها الإسلام لأبنائه، وحث عليه قبل أن تولد الفلسفة في الفكر الحديث، وهذا هو خلق المؤمن حيث تضافر الهدي النبوي على تأصيله في نفوسهم.فإن المسلم الذي امتلأ قلبه بالإيمان يسير على قيم الإسلام وآدابه كما أمر بها، فهو يصوم شهر رمضان ويقوم لياليه طمعا في رحمة الله -تعالى- التي وسعت كل شيء، فما تجده في هذه الأيام المباركة إلا باحث عن رحمه لوصلها والبر معها، لأنه ويعلم حق العلم أن في صلته لرحمه وفي أدبه مع أقاربه لقربة من أعظم القربات التي يتقرب بها إلى الله ويدرك أن هذا البر والصلة يجلب البركة في الرزق وفي العمر، فعن أنس -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه" رواه مسلم، فالنفس البشرية بطبيعتها محبة للخير تعمل على التماس السبل التي تسوق لها السعة في الرزق والبركة في العمر والأجر، والهدي النبوي يخاطب هذه النفس فيرشدها إلى طريق السعة في الرزق وكثرته، ووسيلة بلوغ ذلك كله صلة الرحم، ولاشك أن هذا باب خير عميم فيها تتأكد وحدة المجتمعات وتماسكها، وتمتلئ النفوس بالشعور بالراحة والاطمئنان، إذ يبقى المرء دوما بمنجى عن الوحدة والعزلة ويتأكد أن أقاربه يحيطونه بالمودة والرعاية، ويمدونه بالعون عند الحاجة وإن البر والصلة يكونان سببا في محبة الناس والثناء عليه، وبالمقابل تكون قطيعة رحمه شؤما عليه وبلاء ومقتا له من الله ومن الناس وبعدا له عن الجنة في دار القرار، فهدي الإسلام في سماحته وإنسانيته يوصي بالمودة بين الأقارب ويحث على التواصل والتواد والمحبة، لهذا ينبغي على كل عبد واع أن يكون واصلا لرحمه ولا تلهيه الدنيا ولا المال ولا الزوجة والولد عن تفقد ذوي رحمه وقرابته وبرهم وإكرامهم ومعونتهم، فقد حفي بالرحم حفاوة ما عرفتها الإنسانية في غيره من الأديان والنظم والشرائع فأوصى بها ورغب في صلتها وتوعد من قطعها، وليس أدل على حفاوة الإسلام البالغة بالرحم من تلك الصورة الرائعة التي رسمها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للرحم، تقوم بين يدي الله في الساحة الكبيرة التي خلق الله فيها الخلق فتستعيذ به من قطيعتها ويجيبها الله -عز و جل- إلى سؤلها فيصل من وصلها ويقطع من قطعها ولقد جاءت آيات القرآن الكريم تترا، مؤكدة منزلة الرحم في الإسلام حاضة على الإحسان إليها وإرهاف المشاعر للإحساس بوشائجها وأداء حقوقها وتوقي هضم تلك الحقوق أو خدشها أو مسها بظلم أو أذى محذرة من الإساءة إليها ومن هذه الآيات الكريمة قول الله تعالى: "واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام" النساء:1 فقد أمر الله بالتقوى وثنى بالأرحام إعظاما لها وتأكيدا على توقيرها ثم يمتد البر من ذوي القرابة ويتسع نطاقه وينصب خيره على المحتاجين جميعا في الأسرة الإنسانية الكبيرة وهذا ما يواءم طبيعة النفس البشرية التي هي تميل إلى البدء ببر الأقربين، ويلائم منهج الإسلام العام في تنظيم المجتمع الإسلامي، إذ جعل التكافل الاجتماعي يبدأ من محيط الأسرة ثم يمتد إلى دائرة الأقربين ثم ينساج في محيط الجماعة في سهولة ويسر وفي تراحم ورضا ومودة، مما يجعل الحياة حلوة جميلة لائقة ببني الإنسان.